السؤال
اشتريت سنة 2000 شقة، فقرر إخوتي الذكور مساعدتي بمبلغ قدره 20000 درهم مغربي، قام أحدهم بدفعها نيابة عن الآخرين, في السنة الماضية 2011 وقع خلاف بيني وبين أخي ( صاحب المبلغ المذكور) تطور إلى مشادة كلامية تبادلنا فيها التهم حول من أخطأ في حق الآخر إلا أنه لما أحس بنفسه محاصرا غير وجهة الحديث قائلا " أنسيت أنني أنا من اشتريت لك المنزل الذي تسكن به؟" أجبته " جزاك الله خيرا " فحاولت إنهاء النقاش لأنني شعرت بكثير من الإهانة، وحتى لا تتطور الأمور إلى ما هو أكثر, بعد مدة تدخلت والدتي للصلح بيننا فاشترطت مقابل ذلك أن أرد له نقوده حتى لا تتكرر الإهانة مرة أخرى إلا أنه رفض تسلمها، تشبث كل واحد منا برأيه فقطعنا صلة الرحم بيننا. فما هو الحل و جزاكم الله خيرا كثيرا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد :
فالحل ابتداء هو أن تتوبا إلى الله تعالى من قطيعة الرحم فإنها كبيرة من كبائر الذنوب المهلكة، وقد قرن الله تعالى قطع الأرحام بالفساد في الأرض الذي هو من أكبر الكبائر، فقال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. {محمد: 22} , ويكفي للزجر عن قطيعة الرحم أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم : لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه, وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 116567أن قطيعة الرحم من أكبر الكبائر فانظرها .
والواجب على أخيك أيضا أن يتوب إلى الله تعالى من قوله " أنسيت أنني أنا من اشتريت لك المنزل الذي تسكن به؟ " لأن هذا من المن وهو كبيرة من الكبائر لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارًا، قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ , متفق عليه, وفي لفظ لمسلم: الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ. والمنان هو الذي يمن بما فعل من المعروف لغيره فتجده يمن عليه ويذكره بما فعل فيه من معروف .
والمن بالعطية من الأخلاق الذميمة التي لا تصدر غالبا إلا من بخيل أو معجب بنفسه كما قال القرطبي رحمه الله تعالى:الْمَنُّ غَالِبًا يَقَعُ مِنْ الْبَخِيلِ وَالْمُعْجَبِ ، فَالْبَخِيل تَعْظُمُ فِي نَفْسِهِ الْعَطِيَّة وَإِنْ كَانَتْ حَقِيرَة فِي نَفْسِهَا ، وَالْمُعْجَب يَحْمِلُهُ الْعُجْبُ عَلَى النَّظَرِ لِنَفْسِهِ بِعَيْنِ الْعَظَمَة وَأَنَّهُ مُنْعِمٌ بِمَالِهِ عَلَى الْمُعْطَى وَإِنْ كَانَ أَفْضَل مِنْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَمُوجِبُ ذَلِكَ كُلّه الْجَهْل وَنِسْيَان نِعْمَةِ اللَّهِ فِيمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَظَرَ مَصِيره لِعَلِمَ أَنَّ الْمِنَّةَ لِلْآخِذِ لِمَا يَتَرَتَّبُ لَهُ مِنْ الْفَوَائِدِ. اهـ. كما أن المن أيضا مبطل للعمل الذي من به صاحبه كما يدل عليه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى ... } سورة البقرة : 264 .
وإن كان المبلغ الذي دفعه أخوك دينا وليس هبة فإنه إذا رفض أخذه فهذا إبراء لك من الدين, وإن كان دفعه هبة لك فلا تلزمه بأخذه لأن الرجوع في الهبة لا يجوز , وفي كل الأحوال لا يجوز لك قطعه لمجرد أنه منّ عليك بمساعدته لك أو لأنه أهانك أو نحو ذلك، واصبر على ما لا تحبه من أخلاق الناس لا سيما أرحامك فإن هذا أعظم لأجرك وأرفع لدرجتك عند الله تعالى، وفي الحديث الصحيح: الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ. رواه أحمد والترمذي و ابن ماجه, وابدأه أنت بالسلام لتفوز بالخيرية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُهَاجِرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ. رواه مالك والشيخان .
والله أعلم.