السؤال
إني أبتليت بالأمور التالية عافانا الله منها وإياكم: سلس البول أعزكم الله (وهو يتوقف بعد وقت) وكثرة التبول فبعد نصف ساعة أو أربعين دقيقة أو ساعة أحس بالرغبة في ٌاستعمال الحمام مرة ثانية، هذا إن قللت في شرب الماء (و جسم الإنسان ياشيخ يحتاج إلى جزء يسير من الماء كي يبقى في صحة جيدة) أما إن شربت مايكفيني من الماء والسوائل فيكثر علي استعمال الحمام لدرجة أني سرعان ما أحس بأني قد أفرغت مثانتي وأنا واقف أو جالس في الحمام أحس بالرغبة مرة ثانية أو بعد ثلات خمس أو عشر دقائق على الأكثر. وقد رأيت الطبيب في هذا الأمر و أخذت دواء سلس الريح، وهو يسير والحمد لله مع أخذ الدواء. لكني أحس بخروج فقاعات أو جزيئات صغيرة من الريح طوال الوقت ولا أعرف إن كانت ريحا أم رطوبة ناتجة عن البواسير أم مجرد تحرك البواسير، المهم أني لا ألتفت إليها وأعاملها كاالسلس.
بواسير داخلية وهي غير مؤلمة الحمد لله تعالى. ومن المعروف فهي تؤدي إلى خروج رطوبة، لكني لاأعرف متى تخرج هذه الرطوبة والظاهر أنها تخرج شيئا فشيئا حتى تتراكم فأستنجي منها وأتوضأ لكل وقت صلاة كما أفعل مع البول أعزكم الله إن لم يكن كثيرا جدا.
أيضا، ذكري حساس جدا لدرجة أني إذا جئت أستنجي من البول وفركت ذكري أو دلكته ولو بلطف لأزيل البول أعزكم الله أتسبب في خروج مذي، وكثيرا ما يأتيني الشيطان فيضع صورة جنسية في ذهني فيتسبب ذلك في خروج المذي أتعوذ بالله وأعرض عن تلك الأفكار ولكن لو دامت ولو لمدة ثلاث ثوان قد يتسبب ذلك في خروج المذي ويقع هذا عندما أسهو وأنا أفكر في شيء ما وخصوصا وأنا في الحمام فأكمل استنجائي أو وضوئي ولا ألتفت إلى ذلك المذي. مع كل هذا و الوسواس الذي يأتيني في الطهارة و الصلاة فقد تعسرت علي الصلاة وأصبحت أمضي وقتا طويلا في الحمام وقليلا جدا ما أدرك صلاة جماعة، وأهمل كثيرا من الأعمال الدنيوية مثل البحث عن عمل أو التخطيط لدراستي ومستقبلي وأصبحت الصلاة كأنها عبء كبير بسبب صعوبة الوضوء وأصبحت أصلي الفرائض فقط ولا أصلي النوافل إلا إذا كانت تتبع الفرائض مباشرة.
سؤالي: هل يجب علي الانتظار بعد التبول لفترة عشر أو خمس عشرة دقيقة ثم أستنجي وأتوضأ، أم أستنجي وأتوضأ مباشرة بعد استعمال الحمام ولو كانت تأتيني الرغبة في استعمال الحمام بعد نصف ساعة أو أكثر، أو أحس بامتلاء مثانتي؟ وهل يجوز لي الجمع بين الظهرين والمغربين للتخفيف على نفسي. أيضا إذا أبطلت وضوئي قبل خروج الصلاة بنية مثلا وأردت أن أعيد وضوئي هل يجب علي إعادة الاستنجاء أم أتوضأ مباشرة؟
المرجو عدم إحالتي إلى فتاوى أخرى يا شيخ حفظك الله تعالى، فقد نظرت إلى أكثرها في هذا الأمر.
و لا تنسونا من صالح دعائكم يا شيخ، وبالدعاء بالشفاء وتيسير وتعجيل الزواج إن شاء الله تعالى. جزاكم الله عنا كل خير وجعله في ميزان حسناتكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه وتعالى لك العافية والشفاء من سائرالأمراض ، والوساوس، ثم اعلم أن هذه الأحداث كلها ، وهي نزول البول وخروج الريح وخروج الرطوبة، إذا كانت كلها أو بعضها تتوقف في أي جزء من وقت الصلاة فترة تستطيع فيها أن تأتي بالطهارة والصلاة دون أن يخرج شيء فإنه يجب عليك أن تنتظر حتى تنقطع ثم تتوضأ وتصلي ما دام ذلك في الوقت، أما إذا كانت كلها أو كان بعضها يلازم جميع الوقت، أو ينقطع وقتا لا يسع الطهارة والصلاة فأنت صاحب سلس ، بالنسبة للحدث الذي لا ينقطع وقتا يسع الطهارة والصلاة في الوقت، وعليك أن تتطهر بعد دخول وقت الصلاة وتتحفظ أي تشد المحل بخرقة ونحوها لتمنع خروج الحدث وانتشاره ثم تؤدي الصلاة ، ولا يضرك ما خرج ولو أثناء الصلاة، وننبه هنا إلى أن هناك فرقا بين سلس البول وبين كثرة التبول ، إذ أن بإمكان الشخص المصاب بكثرة التبول أن يتطهر ويؤدي الصلاة في وقتها بطهارة تامة من غير أن يخرج منه بول، فإن لم يكن ذلك بالإمكان فهو صاحب سلس حينئذ. مع التنبيه على أنه لا فرق بين قليل الحدث وكثيره سواء كان ريحا أو رطوبة طالما أنه خرج بالفعل فإنه يعتبر حدثا ينطبق عليه ما ينطبق على الحدث من حيث كونه سلسا أم غير سلس حسب التفصيل المتقدم ، ولا عبرة بما لم يتيقن خروجه أيضا فهو كالعدم ، ويجب الاستنجاء من المذي والتطهر منه لأنه نجس ، ويستحب نضح المحل بالماء لقطع دابر الوسوسة، ولا تلتفت إلى ما يخيل إليك من وجود بلل بعد النضح ، كما ينبغي الإعراض عن تلك الخيالات والصور التي يعرضها الشيطان، وينبغي تجنب المكث في الحمام زيادة عن الحاجة لما يترتب على ذلك من مخاطر صحية.
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وطول المكث على قضاء الحاجة يولد الداء الدوي. انتهى.
ثم إن الاسترسال مع الوساوس هو الذي يسبب ما ذكر من صعوبة أمر الطهارة والصلاة ، وتفويت صلاة الجماعة ، وغير ذلك من مهمات الأمور، ولكي تشفى مما تجده من ذلك كله إن شاء الله تعالى عليك أن تهون على نفسك وتستعين بالله تعالى وتلتجئ إليه بالدعاء, ثم تعرض عن تلك الوساوس جملة وتفصيلا ، ولو عرضت نفسك على طبيب نفساني فذلك حسن أيضا، والذي نستطيع قوله هو أن العبادة مبناها على التخفيف ، وأن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولم يجعل علينا في الدين من حرج فقال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 78}. وقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16} وقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة: 286}. وقال صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه. رواه مسلم. وفي رواية ابن ماجه: ( فانتهوا ) .
أما عن حكم الانتظار بعد البول، فإذا انقطع البول فلا يجب عليك أن تنتظر، ولو دقيقة واحدة ، ولو كنت سترغب في الذهاب إلى الحمام بعد فترة ، لأنك لا تطالب إلا بانتظارانقطاع الحدث الموجود حاليا ، أما ما سيطرأ مستقبلا فلا تكلف بانتظاره ، بل لك أن تستنجي بمجرد انقطاع الحدث ثم تتوضأ بعد ذلك ، ويستحب نضح المحل بالماء لقطع دابر الوساوس بإذن الله تعالى، ولا تلتفت إلى ما يخيل إليك من وجود بلل بعد النضح.
قال ابن قدامة في المغني: ويستحب أن ينضح على فرجه وسراويله ليزيل الوسواس عنه، قال حنبل: سألت أحمد بن حنبل قلت: أتوضأ وأتبرأ وأجد في نفسي أني قد أحدثت بعده، قال: إذا توضأت فاستبرئ ثم خذ كفا من ماء فرشه على فرجك ولا تلتفت إليه فإنه يذهب إن شاء الله. انتهى.
وإذا كنت صاحب سلس فلك أن تجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما.
يقول الإمام ابن قدامة بعد ذكر جواز الجمع لأجل المرض قال: وكذلك يجوز الجمع للمستحاضة ولمن به سلس البول ومن في معناهما لما روينا من الحديث.. ومن به سلس مخير بين التقديم والتأخير، ويفعل ما هو أرفق به كالمريض، لأنه ملحق به ومقيس عليه. انتهى.
أما عن الجزء الأخير من السؤال ، فإن كنت تقصد بقولك: إذا أبطلت وضوئي قبل خروج الصلاة بنية مثلا... أنك أبطلت الوضوء بالنية بمعنى رفضته ، فإن رفض نية الوضوء بعد انتهائه مغتفر أي لا ينقضه، وبالتالي فلا داعي لإعادته.
قال الشيخ أحمد الدردير عند قول خليل في مختصره في الفقه المالكي في باب الوضوء: وعزوبها أي النية بعده ورفضها مغتفر ولا يؤثر بطلانا إن وقع بعد الفراغ منه، ولا يغتفر في الأنثاء على الراجح وإن كان ظاهر المذهب اغتفاره والغسل كالوضوء. انتهى.
علما بأن الاستنجاء لا يجب إلا بحصول موجبه ، وليس منه خروج الريح .
والله أعلم.