الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحكم أمير المؤمنين معاوية ـ رضي الله عنه ـ كان ملكا ورحمة وهو أول الأمراء والملوك بعد الخلفاء الراشدين المهديين، ويصدق عليه ما في الحديث: أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكًا ورحمة، ثم يتكادمون عليها تكادم الحمير، فعليكم بالجهاد، وإن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان. رواه الطبراني، قال الهيثمي: ورجاله ثقات ـ وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة.
وفي المستدرك أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان يقول: إن الله بدأ هذا الأمر حين بدأ بنبوة ورحمة، ثم يعود إلى خلافة، ثم يعود إلى سلطان ورحمة، ثم يعود ملكا ورحمة، ثم يعود جبرية تكادمون تكادم الحمير أيها الناس عليكم بالغزو والجهاد. اهـ.
ولا يعارض هذا ما في الحديث: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت. رواه أحمد، وحسنه شعيب الأرناؤوط.
فالملك العضوض لم يكن في عهد معاوية، لأن الملك العضوض هو الذي يصيب الناس فيه الظلم والجور، قال ابن الأثير في النهاية: ثم يكون ملك عضوض أي: يصيب الرعية فيه عسف وظلم، كأنهم يعضون فيه عضا، والعضوض من أبنية المبالغة. انتهى.
ومعاوية كان معروفا بالحلم والرحمة بالرعية فبعض الأحاديث فصل فذكر ملك الرحمة والملك العضوض والملك الجبري وحديث أحمد السابق لم يذكر ملك الرحمة فينبغي أن يقدم عليه الأحاديث التي ذكر فيها ملك الرحمة ومعاوية ـ رضي الله عنه ـ هو أولى الناس بالدخول في تلك الرحمة، لما عرف عنه من الحلم والرحمة والرفق بالرعية.
قال شيخ الإسلام: ومعاوية ـ رضي الله عنه ـ كان أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة وهو أول الملوك، كان ملكه ملكا ورحمة كما جاء في الحديث: يكون الملك نبوة ورحمة، ثم تكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم ملك وجبرية، ثم ملك عضوض ـ وكان في ملكه من الرحمة والحلم ونفع المسلمين ما يعلم أنه كان خيرا من ملك غيره، وأما من قبله فكانوا خلفاء نبوة فإنه قد ثبت عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة ثم تصير ملكا ـ وكان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ـ رضي الله عنهم ـ هم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين. اهـ.
وقال شيخ الإسلام أيضا: جرى بعد موت معاوية من الفتن والفرقة والاختلاف ما ظهر به مصداقُ ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: سيكون نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون مُلْكٌ ورحمة، ثم يكون مُلْكٌ عَضوض ـ فكانت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم نبوة ورحمة، وكانت خلافة الخلفاء الراشدين خلافة نبوة ورحمة، وكانت إمارة معاوية مُلكا ورحمة، وبعده وقع مُلْكٌ عضوض. اهـ.
وقال الذهبي ـ رحمه الله: ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم وما هو ببريء من الهَنَات, والله يعفو عنه وحسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم ـ هو ثغرـ فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويرضى الناس بسخائه وحلمه... فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه وسعة نفسه وقوة دهائه ورأيه. اهـ.
وقال ابن كثير ـ رحمه الله: وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين ... فلم يزل مستقلا بالأمر ... والجهاد في بلاد العدو قائم, وكلمة الله عالية, والغنائم تَرِد إليه من أطراف الأرض, والمسلمون معه في راحة وعدل, وصفح وعفو وقال: كان حليماً وقوراً, رئيساً, سيداً في الناس, كريماً, عادلا, شهماً.
وقال عنه أيضاً: كان جيد السيرة, حسن التجاوز جميل العفو, كثير الستر رحمه الله تعالى. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 36833.
والله أعلم.