الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العلي القدير رب العرش العظيم أن يفرج عن المسلمين في فلسطين وفي كل مكان، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويخذل اليهود ومن ناصرهم.
وأما أنت أيتها السائلة فجزاك الله خيرا على حرصك على دينك ودين عيالك وحذرك من أسباب الفساد، فالله تعالى كلف المسلم بالاستقامة على الطاعة وبحضانة عياله وحملهم على سلوك طريق الهدى، وتوعد من ضيع تلك المسؤولية، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. { التحريم: 6 }.
وفي حديث الصحيحين: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع ومسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها.
وفي حديث الصحيحين: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة.
وأعظم وسائل تحقيق هذا أن ترتب المرأة مع زوجها برنامجا ربانيا يتعاونان فيه على إصلاح أنفسهما وتعليم أبنائهما.
قال القرطبي رحمه الله: فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية. ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم. وعن هذا عبر الحسن في هذه الآية بقوله : يأمرهم وينهاهم. وقال بعض العلماء لما قال: قُوا أَنْفُسَكُمْ. دخل فيه الأولاد ؛ لأن الولد بعض منه، كما دخل في قوله تعالى: وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ. فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات. فيعلمه الحلال والحرام، ويجنبه المعاصي والآثام، إلى غير ذلك من الأحكام. انتهى.
وعلينا في مثل هذه الأمور أن نعود إلى سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته - رضي الله عنهم أجمعين - وسنجد أنهم كانوا يعلمون ويعودون الصبيان والبنات على الطاعة من صغرهم حتى يألفوها، ويحولون بينهم وبين المعاصي حتى لا يألفوها، وفي صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي - رضي الله عنهما - تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "كخ كخ ليطرحها، ثم قال: أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة " وفي رواية أحمد: " فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعابها فألقاها في التمر. " وصححه الأرناؤوط.
وعن الربيع بنت معوذ - رضي الله عنهما - قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار، من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم، قالت: فكنا نصومه بعد، ونُصَوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن- القطن- فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار. رواه البخاري.
واعلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم حثنا على الإحسان إلى البنات خاصة فقال: من عال ثلاث بنات فأدبهنَّ ورحمهنَّ وأحسن إليهنَّ فله الجنة. رواه أحمد بإسناد صحيح.
وننصحك بإكثار الدعاء لهذه البنت، فإن دعاء الوالدة مستجاب كما في حديث أبي داود: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المسافر، ودعوة المظلوم، ودعوة الوالد.
ثم استعيني بما أمكن من الوسائل المشروعة في تحبيب الدين والعمل به إليها، فابدئي معها بدراسة القرآن والفقه والسيرة وغير ذلك مما يمكن أن تستفيد منه من العلوم المفيدة لها في الدنيا والآخرة، وذكريها بفضائل القرآن، وواصلي في تشجيعها وتكريمها كلما أنجزت حفظا أو تعلمت شيئا مما أردت تعليمها إياه.
واحرصي على الانتفاع بما توفر من وسائل التعليم في عصرنا كالإنترنت وغيره، فقد رأينا الآن من يستطيع من خلال هذه الوسائل أن يكمل دراسة جامعية ينال بعدها الشهادة. وفي موقعنا هذا الشبكة الإسلامية الكثير من الخير حيث يمكنك تعلم الكثير من خلال الفتاوى، أو المقالات، أو الدروس والمحاضرات المسموعة.
ويحسن أن ترتبي مع بعض الأخوات أوقاتا تجمعن فيه بناتكن وترتبن لهن برنامجا تعليميا يتنافسن فيه ويشجع بعضهن بعضا. إضافة إلى مجالس ترفيهية يجدن فيها ما يسلي، ويجعل فيها مسابقات في الحفظ وتشجع الفائزات في الحفظ والأخلاق.
وللسلامة من شر الناس ومن يضايقون المتحجبة المتمسكة بدينها يتعين التوكل على الله واليقين بأن التمسك بطاعته هو سبيل النجاة والفوز في الدارين، والاعتناء بالدعاء في أوقات الإجابة والاستعاذة بالله من كل شر، ومن الأدعية المأثورة في هذا المجال قوله صلى الله عليه وسلم: قل هو الله أحد والمعوذتان حين تمسي وحين تصبح ثلاثاً تكفيك من كل شيء. رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.. ومن ذلك ما روي عن ابن مسعود أنه قال: إذا كان على أحدكم إمام يخاف تغطرسه أو ظلمه فليقل: اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم كن لي جاراً من فلان بن فلان وأحزابه من خلائقك أن يفرط علي أحد منهم أو أن يطغى، عز جارك وجل ثناؤك ولا إله إلا أنت. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وروي عن ابن عباس أنه قال: إذا أتيت سلطاناً مهيباً تخاف أن يسطو بك، فقل: الله أكبر، الله أعز من خلقه جميعاً، الله أعز مما أخاف وأحذر، أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو الممسك السماوات السبع أن يقعن على الأرض إلا بإذنه من شر عبدك فلان وجنوده وأتباعه من الجن والإنس، اللهم كن لي جاراً من شرهم، جل ثناؤك وعز جارك وتبارك اسمك ولا إله غيرك، ثلاث مرات. رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وإن كنت تخشين على نفسك وبنتك الفتنة بالإقامة في منطقتكم فحاولي إقناع زوجك بأسلوب طيب بالهجرة بكم إلى منطقة أخرى داخل فلسطين تقيمون فيها دينكم، فربما تجدون بعض الأحياء التي يوجد بها أهل الاستقامة والدين.
وأما الهجرة خارج فلسطين فلا ننصحك بها في الوقت الحالي خاصة إذا كانت ستؤدي إلى الخلاف مع زوجك في شأنها لأن بلاد الكفر ليست أقل خطرا من بلادكم، وأما البلاد الاسلامية إن وجد بها مكان أفضل من حيث البيئة والجو الايماني فإن قوانين الهجرة والحدود والتأشيرات والإقامات فيها من أعقد ما يكون، فعليك أن تتقي الله ما استطعت في بلدك وأن تجتهدي في الحذر من أسباب الفتنة، ومن ذلك عدم الخروج من البيت إلا لأمر لا بد لك منه.
ونرجو أن تكوني معذورة في عدم الهجرة لدخولك فيمن قال الله فيهم : إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا {98}، فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا {النساء:99}.
وأما صديقتك التي ذكرت شذوذها فيتعين نصحها ونهيها عما حرم الله تعالى، مع التحفظ من مخالطتها لئلا تؤثر عليك بخلقها المنحرف، واتخذي صحبة صالحة من النسوة المستقيمات اللاتي يخفن الله، فالإنسان يتأثر ممن يصاحبه إيجابا وسلبا كما في الحديث: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. وفي الحديث: لا تصاحب إلا مؤمنا. رواه أحمد.
والله أعلم.