السؤال
من هم أهل الفتوى في هذا العصر؟ الجميع يفتي منهم من تخصص في علم الحديث ويفتي الناس، ومنهم من تخصص في قسم تفسير القرآن الكريم ويفتي الناس أيضا، ومنهم من تخصص في أصول الفقه ويفتي، ومنهم من تخصص في الفقه المقارن ويفتي، ومنهم من تخصص في الفقه ويفتي ويوجد الكثير ممن يفتون لا نعرف عنهم أي معلومات وأصبحنا لا نعرف من نستفتي وقد سمعت أحد الشيوخ يقول إننا مسئولون أمام الله في العالم الذي نستفتيه، فهل استفتينا من نثق في علمه ودينه أم لا؟ ومن هم أهل التخصص المؤهلين للفتوى؟ وهل هم الذين تخصصوا في تفسير القرآن؟ أم الذين تخصصوا في علم الحديث؟ أم أصول الفقه؟ أم الفقه؟ أم الفقه المقارن؟ أم العقيدة؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكر من كون الشخص مسؤولا عمن يستفتيه ويقلده في مسائل الدين كلام صحيح، وقد قال ابن سيرين ـ رحمه الله: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
ومن ثم فلا يجوز أن يستفتى إلا من عرفت أهليته وكان عدلا ولو ظاهرا، قال في العقد التليد: اعلم أن شرط المفتي كونه مسلما مكلفا عدلا ثقة مأمونا متنزها عن أسباب الفسق وخوارم المروءة، فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر صحيح التصرف والاستنباط، قوي الضبط متيقظا، سواء فيه الحر والعبد، والمرأة والأعمى والأخرس إذا كتب أو فهمت إشارته. انتهى.
وقال ابن القيم: وفي جواز استفتاء مستور الحال وجهان والصواب جواز استفتائه وإفتائه. انتهى.
والعامي يعرف أهلية المفتي بشهادة العلماء له بذلك واستفاضة ذلك وشهرته في الناس، فمن تيقن أو غلب على ظنه أنه من أهل الفتوى جاز له استفتاؤه وتقليده بما يظهر من حاله من الأمارات الدالة على علمه وورعه، كاستفاضة ذلك في الناس وشهادة العلماء له بذلك، ولا يجوز له استفتاء من غلب على ظنه أنه غير أهل أو من شك في كونه أهلا للفتوى، قال الرازي في المحصول: اتفقوا على أنه لا يجوز له الاستفتاء إلا إذا غلب على ظنه أن من يفتيه من أهل الاجتهاد ومن أهل الورع وذلك إنما يكون إذا رآه منتصبا للفتوى بمشهد الخلق ويرى اجتماع المسلمين على سؤاله، واتفقوا على أنه لا يجوز للعامي أن يسأل من يظنه غير عالم ولا متدين، وإنما وجب عليه ذلك، لأنه بمنزلة نظر المجتهد في الأمارات. انتهى.
وقال في شرح التحرير: وَاعْتبر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين، وَابْن الصّلاح: الاستفاضة بِأَنَّهُ أهل للفتيا، وَهُوَ الرَّاجِح فِي رَوْضَة النَّوَوِيّ وَنَقله عَن أَصْحَابهم، فَلَا يَكْتَفِي بِوَاحِد وَلَا بِاثْنَيْنِ وَلَا مُجَرّد اعتزائه إِلَى الْعلم، وَلَو بِمنْصب تدريس أَو غَيره، وَمرَاده فِي زَمَانه بل هُوَ فِي هَذِه الْأَزْمِنَة أولى، لِأَن الدخيل قد دخل على الْفَقِيه والمدرسين. انتهى.
ومن كان يفتي بكلام أهل العلم ممن ليس بمجتهد فاستفتاؤه جائز للحاجة، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في حكم فتوى المقلد: والقول الثالث أنه يجوز ذلك عند الحاجة وعدم العالم المجتهد وهو أصح الأقوال وعليه العمل، قال القاضي: ذكر أبو حفص في تعاليقه قال سمعت أبا علي الحسن بن عبد الله النجاد يقول: سمعت أبا الحسين بن بشران يقول: ما أعيب على رجل يحفظ عن أحمد خمس مسائل استند إلى بعض سواري المسجد يفتي بها. انتهى.
فمن علم كونه يفتي بعلم واجتهاد أو كان يفتي بتقليد من يجوز تقليده فهذا يجوز استفتاؤه والأخذ بقوله، وقد يكون الشخص تخصص في علم من العلوم كالتفسير أو الأصول أو غير ذلك فهو فنه الذي برز فيه ولكن عنده من العلم بسائر الفنون ما يؤهله للفتوى، وقد ترى من هؤلاء المنسوبين إلى الاختصاص من لا يحسن الفن الذي زعم أنه مختص به، فالعبرة بما ذكرنا من شهادة العلماء واستفاضة علم الشخص وورعه في الناس، ثم ليعلم أن الاجتهاد يتجزأ، وقد يكون الرجل عالما بباب فيستفتى فيه ولا يكون عالما بغيره، قال في العقد التليد: إنما يشترط اجتماع العلوم المذكورة فيما مر في مفتٍ مطلق في جميع أبواب الشرع، فأما مفت في باب خاص كالمناسك والفرائض فيكفيه معرفة ذلك الباب، كذا قطع به الغزالي. انتهى.
فمن علمه العامي عالما بباب من الأبواب جاز له استفتاؤه فيه وجاز للمسؤول أن يفتي فيه وإن لم يكن عالما بغيره، وينبغي في هذا الزمن خاصة تحري ذوي الورع والتثبت، فإن الجرأة على الفتوى صارت أمرا شائعا منتشرا، ومن كان ذا ورع ومعرفة بخطر منصب الفتوى لم يقدم على القول في مسألة إلا بعلم.
والله أعلم.