السؤال
نحن - المسلمين - نعلم بأن خطر الدين كبير جدا حتى أفاد الحديث بأن روح الدائن معلقة بين السماء والأرض ـ عالم البرزخ قبل البعث ـ ولا يدخل الجنة حتى يقضي دينه، وما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الميت أو الشهيد الذي عليه دين، وغفران ذنوب الشهيد إلا الدين، واستعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفر والدين، ونحن لا نعلم خطر السرقة والغصب وأخذ أموال الناس بغير الحق كمثل خطر الدين، علما بأن الدائن أخذ مالا من المدين لحاجة وبالتراضي بخلاف السارق والغاصب والآخذ بغير الحق، نعم في الحقيقة كلاهما سواء في إتلاف حقوق الناس، نعم سيرد جميع المظالم إلى أصحابها يوم الحساب ماليا أو جنائيا، ونحن لا نعلم أن أرواحهم محبوسة أو معلقة كما أصاب أصحاب الديون، نحن نخضع ونطيع ونحب جميع أحكام الله وشريعته التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والسؤال: ما سر هذه الشريعة؟ وما حكمتها؟ أفتوني بارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من أن الشريعة شددت في أمر الدين ما لم تشدد في أمر الغصب والسرقة غير صحيح، بل جاءت نصوص كثيرة بالوعيد الشديد في ذلك مع ما شرع من الحدود الزاجرة الرادعة في الدنيا قبل الآخرة من ذلك قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {المائدة:38}. وقوله: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:188}. وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا {النساء:29}.
وفي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده. وقال: من غصب شبراً من أرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة. متفق عليه. وقال: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء. رواه مسلم. وقال أيضا: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمّتِي، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَىَ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَىَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمّ طُرِحَ فِي النّارِ. رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
إلى غير ذلك من النصوص التي جاءت في التحذير من الظلم والاعتداء على حقوق الناس وأموالهم.
وأما الدين: فإنه ليس اعتداء لكنه قد يكون سببا لضياع أموال الناس لتساهل الناس فيه، فجاءت تلك النصوص من أجل حفظ حقوق الناس وحمايتها مع أن من أخذ الدين وهو يريد قضاءه يسر الله له ذلك ولو مات قبل أن يستطيع فإن الله يقضيه عنه يوم القيامة ويرضي أصحاب الحقوق بفضله وكرمه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله عز وجل. رواه البخاري.
فكانت الشريعة بذلك حكيمة عادلة تحث الناس على المواساة وقضاء الحاجات وبذل القرض، وفي المقابل تحذر من التساهل في أخذ أموال الناس أو أخذها بنية سيئة.
والله أعلم.