السؤال
امرأة في العدة خرجت للمحكمة فقابلها ولد عمها، وقبل رأسها وهي لابسة العباءة باعتبارها زوجة خاله، بالإضافة إلى أنها ابنة عمه، كما كشفت على ابن أخت زوجها المتوفى وعمره 10 سنوات مرتان صدفة لأنه يعيش معهم في المنزل. فما الحكم في ذلك ؟ وماذا عليها؟
كذلك لديها عملية. فما حكم مقابلة وكشف الطبيب عليها ؟
وجزاكم الله خيراً
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجوز خروج المعتدة لحاجتها كالعلاج ونحوه، وذلك لما رواه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال: طلقت خالتي فأرادت أن تجدّ نخلها فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلى، فجدّي نخلك، فإنك عسى أن تصدّقي، أو تفعلي معروفا.
وقال الإمام النووي يرحمه الله: فيجوز للمعتدة عن وفاة الخروج لهذه الحاجات: شراء طعام، أو بيع، أو غزل، ونحو ذلك) وكذا لها أن تخرج بالليل إلى دار بعض الجيران للغزل والحديث، ولكن لا تبيت عندهم، بل تعود إلى مسكنها للنوم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله عن المعتدة من وفاة: فإن خرجت لأمر يحتاج إليه ولم تبت إلا في منزلها فلا شيء عليها. اهـ.
وأما ما ذكرت من تقبيل الرجل لابنة عمه من وراء حجابها فظاهر كلام أهل العلم أن مس الرأس يمنع سواء كان هناك حائل أم لا.
ففي الآداب الشرعية لابن مفلح: قال محمد بن عبد الله بن مهران: إن أبا عبد الله (يعني الامام أحمد ) سئل عن الرجل يصافح المرأة. قال: لا. وشدد فيه جداً. قلت: فيصافحها بثوبه، قال: لا. اهـ
وجاء في نهاية المحتاج من كتب الشافعية : ويجوز للرجل دلك فخذ الرجل بشرط حائل وأمن فتنة، وأُخِذَ منه حِلُّ مصافحة الأجنبية مع ذينك (الحائل وأمن الفتنة) وأفهم تخصيص الحل معهما بالمصافحة حرمة مس غير وجهها وكفيها من وراء حائل ولو مع أمن الفتنة وعدم الشهوة. انتهى.
وقد حرم الله على المرأة أن تظهر أمام المراهقين المميزين لحال النساء ، لقوله تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ........... أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) [النور:31].
قال ابن كثير رحمه الله: يعني لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن من كلامهن الرخيم، وتعطفهن في المشية وحركاتهن وسكناتهن، فإذا كان الطفل صغيراً لا يعلم ذلك فلا بأس بدخوله على النساء، وأما إن كان مراهقاً أو قريباً منه بحيث يعرف ذلك ويدريه ويفرق بين الشوهاء والحسناء فلا يمكن من الدخول على النساء. اهـ.
وقد نص الإمام أحمد على الاحتجاب ممن بلغ العشر فقد جاء في الشرح الكبير لابن قدامة: قيل لأبي عبد الله: متى تغطي المرأة رأسها من الغلام؟ قال: إذا بلغ عشر سنين. انتهى.
وفي تحفة المحتاج: والأصح أن المراهق وهو من قارب الاحتلام -أي باعتبار غالب سنه - وهو قرب الخمسة عشر لا التسع، ويحتمل خلافه كالبالغ فيلزمها الاحتجاب منه. انتهى.
وقال النووي: نزل الإمام الشافعي أمر الصبي ثلاث درجات: إحداها: أن لا يبلغ أن يحكي ما يرى. والثانية: يبلغه ولا يكون فيه ثوران شهوة وتشوف. والثالثة: أن يكون فيه ذلك. فالأول حضوره كغيبته ويجوز التكشف له من كل وجه، والثاني كالمحرم، والثالث كالبالغ، واعلم أن الصبي لا تكليف عليه، وإذا جعلناه كالبالغ فمعناه يلزم المنظور إليها الاحتجاب منه كما يلزمها الاحتجاب من المجنون قطعا. اهـ.
وقال المحلي في شرح المنهاج : فيلزم الولي منعه من النظر إلى الأجنبية فيلزمها الاحتجاب منه لظهوره على العورات بخلاف طفل لم يظهر عليها، قال الله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء. انتهى.
وقد فصلنا القول في خروج المعتدة من وفاة زوجها في الفتوى رقم: 9037.
وأما عن كشف الطبيب عليها فإن الأصل أن المرأة إنما تتولى معالجتها طبيبة، ولا يجوز أن يتولى علاجها رجل إلا عند الضرورة أو الحاجة الماسة، وإذا عالجها فلا يجوز أن يرى منها إلا ما تقتضيه الضرورة .
جاء في الموسوعة الكويتية: قد اتفق الفقهاء على جواز نظر الطبيب إلى العورة ولمسها للتداوي، ويكون نظره إلى موضع المرض بقدر الضرورة، إذ الضرورات تقدر بقدرها، فلا يكشف إلا موضع الحاجة.. وينبغي قبل ذلك أن يعلم امرأة تداوي النساء، لأن نظر الجنس إلى الجنس أخف. انتهى.
وإذا كشف عليها الطبيب فلا بد من البعد عن الخلوة.
فقد جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إذا كان الطبيب أجنبيا عن المريضة فلا بد من حضور ما يؤمن معه وقوع محظور، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. اهـ.
والله أعلم.