السؤال
حقيقة ً، لا أدري كيف أبدأ بسؤالي لكن هي مجرد شبهة طرأت علي و بعض أصدقائي بينما كنا نتناقش بموضوع صحي عن الجسم، ودخلنا قليلاً في الجانب الشرعي من سيرة سيد الخلق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام والصحابة عليهم رضوان الله.
إخواني الكرام: نحن نعلم أن ديننا الحنيف دائما يحثنا على الأخذ بالأسباب ، ولطالما أشرتم في فتاويكم واستشاراتكم إلى أهمية الأخذ بالأسباب وهذا شيء جميل، لكن حقيقة عندما نتوقف عند سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وسيرة الصحابة الكرام والسابقين إجمالا ، نجد أنهم لطالموا جاعوا ، ولطالما حرموا أنفسهم أشياء من المباحات ، فمثلا كثيرا ما قرأنا أحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام يخرج من بيته وقد وضع حجرا على معدته من الجوع، و أحاديث أخرى تشير إلى أنه عليه الصلاة والسلام كان يمر شهر وشهران دون أن يأكل اللحم أو أن يوقد نارا في بيته وكذلك قصص مشابهة عن الصحابة ، أما عن النوم فحدث ولا حرج ، فلطالما سهرت أجسادهم تعبداً لله و قيام الليل والى آخره.
فسؤالي وبكل خجل: كيف استطاعت أجسادهم أن تتحمل كل ذلك؟ يعني اليوم تجد علماء الصحة والطب يقولون إنه من الضروري تناول السمك مرة إلى مرتين بالأسبوع على الأقل ، ومن الضروري النوم ساعات كافية كل يوم، ومن الضرورة الحصول على كمية كافية من اللحوم أسبوعيا (حيث تشكل مصدرا من البروتينات لا يمكن الاستغناء عنه) إلى آخره من الأمور للحصول على جسم صحي وعقل يعمل بكفاءة.
فكيف استطاعت أجسادهم أن تتحمل كل ذلك التعب والسهر وقلة الغذاء ، بل سبحان الله نجد صحتهم أفضل من الناس في زماننا؟ فمن يستطيع أن ينكر أنه بالرغم من كل هذا الحرمان والجوع والتعب وقيام الليل، كانت عقولهم نيرة تستقبل العلم بكل يسر ، بعكس اليوم رغم إعطاء البعض أجسادهم كل ما تحتاجه، بل لدينا اليوم أمراض لم تكن عندهم رغم أننا اليوم موفر لنا كل شيء من غذاء وأساليب راحة واستقرار وترفيه وغيره.
سامحوني إن كان سؤالي غريباً لكنكم أعلم الناس بسيرته -عليه الصلاة والسلام - وبسيرة الصحابة والسابقين ونريد توفيقاً في هذه المسألة.
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبيان ذلك يعتمد على مفهوم البركة، ومعرفة أسباب حصولها.
قال الراغب في (المفردات): البَرَكَةُ: ثبوت الخير الإلهي في الشيء. اهـ.
وذلك أن الله تعالى يبارك في ما كان له وابتغِي به وجهه، فلا تستوي حياة من عاش لله وبالله، مع حياة من عاش بنفسه وللدنيا. فالأول محل للبركة الإلهية، والثاني يوكل إلى حوله وقوته. ولذلك كان ذكر الله وطاعته والاستقامة على أمره، ودوام الاستعانة به، وصدق التوكل عليه، من أعظم أسباب حصول البركة.
قال ابن القيم في (الوابل الصيب): الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه، وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابه أمراً عجيباً، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمراً عظيماً، وقد علم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته فاطمة وعلياً رضي الله عنهما أن يسبحا كل ليلة إذا أخذوا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين، ويحمدا ثلاثاً وثلاثين، ويكبرا أربعاً وثلاثين، لما سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة، فعلمها ذلك وقال: "إنه خير لكما من خادم" فقيل: إن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنية عن خادم. اهـ.
ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله: بلغنا أنه من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل ومن غيره. اهـ.
وقال في (الداء والدواء): المؤمن قوته من قلبه، وكلما قوي قلبه قوي بدنه، وأما الفاجر فإنه - وإن كان قوي البدن - فهو أضعف شيء عند الحاجة، فتخونه قوته عند أحوج ما يكون إلى نفسه، فتأمل قوة أبدان فارس والروم كيف خانتهم أحوج ما كانوا إليها، وقهرهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم وقلوبهم اهـ.
وذكر أثر ابن عباس: "إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القبر والقلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق".
وقال في (طريق الهجرتين): عليك بالمطالب العالية والمراتب السامية التى لا تنال إِلا بطاعة الله. فإن الله عز وجل قضى أن لا ينال ما عنده إلا بطاعته، ومن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد، فمن أَقبل إِليه تلقاه من بعيد، ومن تصرف بحوله وقوته أَلان له الحديد، ومن ترك لأَجله أَعطاه فوق المزيد، ومن أَراد مراده الدينى أَراد ما يريد اهـ. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 20110.
والله أعلم.