السؤال
ما الفرق بين سب الدهر وسب الكفار؟ فالأول منهي عنه والثاني جائز في موضعه, فما هو سر الفرق بينهما؟ الرجاء التوضيح والتفصيل قدر الإمكان جزاكم الله خيراً.
ما الفرق بين سب الدهر وسب الكفار؟ فالأول منهي عنه والثاني جائز في موضعه, فما هو سر الفرق بينهما؟ الرجاء التوضيح والتفصيل قدر الإمكان جزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسب الدهر منهي عنه مطلقا، لأنه غير أهل للسب بخلاف الكفار وآلهتهم، وفي صحيح مسلم: لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر.
قال الخطابي: معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها، وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور. اهـ.
وقال النووي: قال العلماء: وهو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون: يا خيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر ـ أي لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى، لأنه هو فاعلها ومنزلها، وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له، بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى، ومعنى: فإن الله هو الدهر ـ أي فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات. اهـ.
وذكر ابن القيم عليه رحمة الله أن سب الدهر فيه ثلاث مفاسد:
أحدها: سبه من ليس أهلاً للسب، فإن الدهر خلق مسخر من خلق الله منقاد لأمره متذلل لتسخيره، فسابه أولى بالذم والسب منه.
الثانية: أن سبه متضمن للشرك، فإنه سبه لظنه أنه يضر وينفع.
الثالثة: أن السب منهم وقع على من فعل هذه الأفعال. اهـ.
وأما الكفار عموما وآلهتهم فهم أهل للسب؛ ولكن نهينا عن مواجهتهم بسب آلهتهم حتى لا يسبوا الله تعالى، قال عز وجل: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ { الأنعام:108}.
قال ابن كثير رحمه الله: يقول الله تعالى ناهياً لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين، وهو: الله لا إله إلا هو. اهـ.
وقال القرطبي رحمه الله: قال العلماء: حكمها باق في هذه الأمة على كل حال، فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم أو الله عز وجل، فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا دينهم وكنائسهم، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك. اهـ.
وإن لم يخف ذلك فلا حرج في سبهم عند الحاجة كالرد على ظلمهم وما أشبه ذلك، فقد هجاهم الصحابة بأقذع وأبلغ أنواع الهجاء.
وبناء عليه؛ فلا يجوز سبهم إن غلب على الظن أن يؤدي ذلك إلى مفسدة أكبر، وإلا فيجوز عند الحاجة، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 17948.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني