السؤال
قد كان وعد الله حقا ونبوة الرسول صدقاً، فقد تفرقت بنا السبل، وصار كل واحدٍ من المسلمين يرتضي له رايةً مخالفةً لغيره، في ظل غيابِ الوحدة الحق. لكن ما طرأ على بالي عندما رأيت راية سوداء ترفرف في ما يسمى “الربيع العربي“ وتلك الثورات التي حملت كلها نفس الإسم وتدعي نفس الهدف، -أسأل الله الثبات- ، وتلك الراية مربعة الشكل سوداء وكتب فيها : “لا إله إلا الله“ وتحتها رسم “ختم النبي“،
السؤال : هل يجوز أن يستخدم أي مسلم مهماً كان، ختم النبي بعد موته عليه أفضل الصلاة والسلام؟ وما حكم من ابتدع رايةً غير الراية التي ارتضاها النبي وهي راية العُقاب “أبيض على أسود“ للحرب، “أسود على أبيض“ للسلم. وهل يجوز استخدام الشهادة -شهادة دخول الإسلام- كراية للمسلمين؟ (علما أن راية رسول الله كانت تحمل فقط عبارة التوحيد) جزاكم الله عنا كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن له راية واحدة، بل كانت الرايات تختلف باختلاف الأوقات، فقد سئل البراء عن رايته صلى الله عليه وسلم فقال: كانت سوداء مربعة من نمرة. رواه أبو داود و الترمذي.
قال العيني: وروى أبو يعلى في (مُسْنده) وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه، قَالَ: كَانَت راية رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوْدَاء وَلِوَاؤُهُ أَبيض، وروى أبو الشَّيْخ بن حَيَّان من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: كَانَ لِوَاء رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبيض، وروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة سماك بن حَرْب عَن رجل من قومه عَن آخر مِنْهُم، قَالَ: رَأَيْت راية رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صفراء، وروى ابْن عدي من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ: كَانَت راية رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوْدَاء وَلِوَاؤُهُ أَبيض مَكْتُوب بِهِ: لَا إلاه إلاَّ الله مُحَمَّد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث جَابر: أَن راية رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت سَوْدَاء. وروى ابْن أبي عَاصِم فِي (كتاب الْجِهَاد) من حَدِيث كرز بن أُسَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه عقد راية بني سليم حَمْرَاء، وروى أَيْضا من حَدِيث مزيدة، يَقُول: كنت جَالِسا عِنْد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فعقد راية الْأَنْصَار وَجعلهَا صفراء. ثم قال العيني: فَإِن قلت: مَا وَجه التَّوْفِيق فِي اخْتِلَاف هَذِه الرِّوَايَات؟ قلت: وَجه الِاخْتِلَاف باخْتلَاف الْأَوْقَات.
وقال ابن حجر: ولأبي الشيخ من حديث ابن عَبَّاسٍ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى رَايَتِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَسَنَدُهُ وَاهٍ. وَقِيلَ كَانَتْ لَهُ رَايَةٌ تُسَمَّى الْعِقَابَ سَوْدَاءُ مُرَبَّعَةٌ، وَرَايَةٌ تُسَمَّى الرَّايَةَ الْبَيْضَاءَ وَرُبَّمَا جُعِلَ فِيهَا شَيْءٌ أَسْوَدُ. انتهى.
وبه تعلم أن الأمر في الرايات واسع ولا يكون اتخاذ راية مخالفة لراياته صلى الله عليه وسلم من البدع. وأنه يجوز أن تكتب فيها كلمة التوحيد وإن كان الحديث الوارد بهذا ضعيفا، كما قال ابن حجر.
وما ذكرته من التفريق بين راية السلم وراية الحرب لم نقف على مستنده.
والله أعلم.