السؤال
معاناتي أني أريد العفاف ولكن لا أستطيع بسبب أني عاطل عن العمل، وأدعو الله كثيرا ولم يستجب لي. هل الله غاضب علي؟ أدعو في آخر الليل وألح على الله أن يستجيب لي عاجلا غير آجل لأني أريد الحلال، تعبت نفسيتي كثيرا وضاقت بي الدنيا، وكثرت همومي ولا حول وقوة إلا بالله. لي سبع سنوات أبحث عن عمل ولم يكتب لي رزق. أريد العفاف وأن أحفظ نفسي من الحرام. ماذا أفعل؟ والشكوى لغير الله مذلة، ولكن حالي أرغمني على المراسلة. دعوت الله ولم يستجب لي، وأنا واثق بالله وموقن بالإجابة منه. وأكتفي بهذا. وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يهيئ لك من أمرك رشدا، ثم لتعلم أن الواجب على المسلم أن يصبر لحكم الله ولا يتبرم أو يجزع لما يقدره الله تعالى ويقضيه، وليعلم أن الله تعالى لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرا له، فإن أصابته سراء فشكر كان خيرا له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له، فعليك بالصبر والرضا بما يقدره الله ويقضيه، ومما يعين على الرضا بقضائه سبحانه أن يستحضر العبد حكمة الرب تعالى وأن عقول البشر عاجزة قاصرة يخفى عليها كثير من أسرار وحكم قضائه، فقد يكره العبد ما فيه مصلحته وما هو الخير له كما قال تعالى:وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ {البقرة:216}. وعليك بالاجتهاد في الدعاء فإنه من أمضى الأسلحة وأنفعها للعبد في حصول مطلوبه واندفاع مرهوبه. وإياك والعجلة فإنها مانعة من الإجابة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول قد دعوت فلم يستجب لي.
قال النووي: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ التَّضَرُّعَ وَالْخُشُوعَ وَالتَّذَلُّلَ وَالْخُضُوعَ وَإِظْهَارَ الضَّعْفِ وَالِافْتِقَارِ، وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ وَلَا يَسْتَبْطِئُ الْإِجَابَةَ بَلْ يَكُونُ قَوِيَّ الرَّجَاءِ لِلْإِجَابَةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى بِدَعْوَةٍ إلَّا آتَاهُ اللَّهُ إيَّاهَا، أَوْ صَرَفَ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أو قطعية رحم. فقال رجل من القوم: إذا نُكْثِرُ. قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَزَادَ فِيهِ: (أَوْ يَدَّخِرُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلَهَا. انتهى.
فلا يعدم المسلم بدعائه خيرا، وقد يكون الله يبتلي عبده لما له عنده من منزلة لا يبلغها بصالح عمل. وإذا علمت أن الله أرحم بعبده من الأم بولدها قوي عندك التوكل و حسن الظن به سبحانه ورجاء فرجه ولطفه وبره وإحسانه. وحينئذ فحصول المطلوب أدنى شيء من العبد فإن الله وعد المتوكلين بالكفاية فقال سبحانه: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق:3}.
نسأل الله أن يمن عليك بفرج قريب.
والله أعلم.