السؤال
مشكلتي تكمن في الرياء، فأحيانا أبدأ تلاوة القرآن بصوت جميل، فيتسلل الرياء إلى نفسي. فما نصيحتكم لمن هو مثلي، فأكثر ما يدخله الرياء في هو الصلاة وقراءة القرآن ؟
و أحيانا عندما أرى نفسي من طاعة لطاعة أحاول البحث عن المعصية فأرى نفسي لا أجدها، فكيف لي أن أعظم ذنوبي أو أستصغر الخير الذي أقدمه خوفا من العجب أو الكبر؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يثبتك على الحق ويعينك على الخير، ويهديك لأرشد الأمر. وأما ما ذكرت من خوف الرياء فهو مما يحمد، فجاهدي نفسك على الإخلاص وتجريد النية لله تعالى، وأكثري من الاستعاذة به سبحانه، فعن أبي علي رجل من بني كاهل قال: خطبنا أبو موسى الأشعري فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل، فقام إليه عبد الله بن حزن و قيس بن المضارب فقال: والله لتخرجن مما قلت أو لنأتين عمر مأذونا لنا أو غير مأذون فقال: بل أخرج مما قلت، خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل. فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه. قال المنذري: رواه أحمد والطبراني، ورواته إلى أبي علي محتج بهم في الصحيح، وأبو علي وثقه ابن حبان ولم أر أحدا جرحه. اهـ. وحسنه الألباني لغيره.
ولتحذر السائلة من أن يأتيها الشيطان من باب مخافة الرياء ويدعوها إلى ترك بعض الأعمال الصالحة، فالأمر كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك اهـ.
وقد سبق لنا بيان حقيقة الإخلاص وبواعثه وثمراته، وحقيقة الرياء وآثاره وكيفية علاجه، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10396، 8523، 10992، 134994.
وأما داء العجب فإنه ينتفي عن المرء إذا أدرك أن ما به من نعمة فهي من فضل الله عليه وتوفيقه له، وأن يبقى خائفا من زوالها إن وكله الله إلى نفسه، وقد سبق لنا بيان حقيقة العجب وحالاته وحكمه وعلاجه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 32856، 63817، 64618.
وأما استعظام العبد لذنوبه واستصغاره لما قدمه من خير في ذات الله تعالى، فهذا هو حسن الخلق مع الله تعالى، وقد ذكر الهروي في (منازل السائرين) الدرجة الثانية من درجات حسن الخلق فقال: "تحسين خلقك مع الحق. وتحسينه منك: أن تعلم أن كل ما يأتي منك يوجب عذرا، وأن كل ما يأتي من الحق يوجب شكرا، وأن لا ترى له من الوفاء بدا".
فشرح ابن القيم ذلك في (المدارج) فقال: هذه الدرجة مبنية على قاعدتين: إحداهما: أن تعلم أنك ناقص. وكل ما يأتي من الناقص ناقص. فهو يوجب اعتذاره منه لا محالة. فعلى العبد أن يتعذر إلى ربه من كل ما يأتي به من خير وشر. أما الشر فظاهر. وأما الخير فيعتذر من نقصانه، ولا يراه صالحا لربه. فهو مع إحسانه معتذر في إحسانه. ولذلك مدح الله أولياءه بالوجل منه مع إحسانهم بقوله: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} [المؤمنون: 60] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هو الرجل يصوم، ويتصدق. ويخاف أن لا يقبل منه» فإذا خاف فهو بالاعتذار أولى. والحامل له على هذا الاعتذار أمران، أحدهما: شهود تقصيره ونقصانه. والثاني: صدق محبته. فإن المحب الصادق يتقرب إلى محبوبه بغاية إمكانه. وهو معتذر إليه، مستحي منه أن يواجهه بما واجهه به. وهو يرى أن قدره فوقه وأجل منه. وهذا مشاهد في محبة المخلوقين. القاعدة الثانية: استعظام كل ما يصدر منه سبحانه إليك، والاعتراف بأنه يوجب الشكر عليك، وأنك عاجز عن شكره. ولا يتبين هذا إلا في المحبة الصادقة. فإن المحب يستكثر من محبوبه كل ما يناله. فإذا ذكره بشيء وأعطاه إياه كان سروره بذكره له، وتأهيله لعطائه: أعظم عنده من سروره بذلك العطاء ... اهـ.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 118472.
والله أعلم.