السؤال
لدي بعض الأسئلة تتعلق بالرسم
وجدت في موقعكم الكريم فتاوى تحرم رسم ذوات الأرواح وأدلتها الشرعية المقنعة، ولكن في المقابل وجدت أفلامًا مرسومة لذوات الأرواح أيضًا على الموقع لآداب رمضان في واحة رمضان ( أعتقد للكبار والصغار )
وأريد أيضًا معرفة العلة أو الحكمة من تحريم رسم ذوات الأرواح، فإن كانت هي المضاهاة لخلق الله، فلماذا يكون غير ذوات الأرواح حلالا مع أنه أيضًا من خلق الله ؟ لماذا وُجدت المضاهاة في ذوات الأرواح ولم توجد في الجمادات مع أن الشجر مثلا من خلق الله.
وكذلك الألعاب التي تحتوي على رسوم مجسمة لذوات الأرواح، علما أن من يلعب بها هم الكبار قبل الصغار ( طبعا في حالة خلوها من الموسيقى والصورة العارية ولم تله عن واجب ..إلخ )
وهل الرسم بالفوتوشوب أو الرسم بالكمبيوتر بشكل عام ينطبق عليه هذا الحكم كرسم الكاريكاتير مثلا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة محل خلاف مشهور بين أهل العلم، وقد سبق لنا بيان أسباب ترجيح القول بجواز إنتاج وتصوير الأفلام الكرتونية الهادفة والمنضبطة بالضوابط الشرعية، وذلك في الفتوى رقم: 3127. كما سبق لنا بيان وجه الفرق بين رسم الشجر ورسم ذوات الأرواح، وذلك في الفتوى رقم: 141379. وأما وجود علة التحريم ـ وهي المضاهاة ـ في ما لا روح فيه، فهذا قد قال به مجاهد، ومال إليه القرطبي عند تفسير قوله تعالى: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ [النمل: 60] فقال: قد يستدل من هذا على منع تصوير شيء سواء كان له روح أم لم يكن، وهو قول مجاهد. ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة" رواه مسلم .. فعم بالذم والتهديد والتقبيح كل من تعاطى تصوير شيء مما خلقه الله وضاهاه في التشبيه في خلقه فيما انفرد به سبحانه من الخلق والاختراع، هذا واضح. وذهب الجمهور إلى أن تصوير ما ليس فيه روح يجوز هو والاكتساب به. وقد قال ابن عباس للذي سأل أن يصنع الصور: "إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له" خرجه مسلم أيضا. والمنع أولى ـ والله أعلم ـ لما ذكرنا. اهـ.
والراجح هو ما ذهب إليه الجمهور، ومجاهد لم يتابَع على مذهبه.
قال ابن عبد البر: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الصورة المكروهة في صنعتها واتخاذها ما كان له روح، وحجتهم حديث القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما خلقتم" ففي هذا دليل على أن الحياة إنما قصد بذكرها إلى الحيوان ذوات الأرواح، .. وعن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباس إذ جاءه رجل فقال: إني أردت أن أنمي معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير؟ فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، سمعته يقول: "من صور صورة فإن الله معذبه يوم القيامة حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا" قال: فكبا لها الرجل كبوة شديدة واصفر وجهه، ثم قال: "ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذه الشجر وكل شيء ليس فيه روح". وقد كان مجاهد يكره صورة الشجر، وهذا لا أعلم أحدا تابعه على ذلك. اهـ.
وقال النووي: هذه الأحاديث صريحة في تحريم تصوير الحيوان وأنه غليظ التحريم، وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه فلا تحرم صنعته و لا التكسب به، وسواء الشجر المثمر وغيره، وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهدا فإنه جعل الشجر المثمر من المكروه. قال القاضي: لم يقله أحد غير مجاهد. واحتج مجاهد بقوله تعالى: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي" واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم: "ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم" أي اجعلوه حيوانا ذا روح كما ضاهيتم، وعليه رواية "ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي" ويؤيده حديث ابن عباس رضي الله عنه المذكور في الكتاب "إن كنت لابد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له" اهـ.
وقال ابن حجر: استثناء غير ذي الروح ورد مورد الرخصة اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين: ما ليس فيه روح لا بأس به؛ لأن الأحاديث تومئ إلى هذا، فإن فيها أنه مكلف أن ينفخ فيه الروح وليس بنافخ، وهذا إشارة وإيماء إلى أن المحرم ما كان فيه روح اهـ.
وأما مسألة الرسم بالكمبيوتر بصفة عامة، فما كان منه لمصلحة شرعية معتبرة فلا مانع منه، وإلا فيحرم منه رسم ما فيه روح، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 32831.
والله أعلم.