السؤال
بداية أود أن أعبر عن تقديري للمجهود الذي تقومون به لخدمة الإسلام والمسلمين وأسأل الله تعالى أن يتقبل منكم صالح الأعمال وأن يجعله في ميزان حسناتكم يوم القيامة وأن يعينكم عليه في الدنيا في إفتاء المسلمين بما ينفعهم في أمر دينهم ودنياهم، وسؤالي عن جواز طلب تعويض مادي لضرر جسدي حدث نتيجة استخدام دواء معين قام الطبيب بإعطائه لي: فمنذ فترة طويلة كنت أمر بظروف صحية معينة نتج عنها تساقط بعض من شعر مقدمة الرأس فأشار إلي الطبيب باستخدام دواء معين ولكن بعد استخدام هذا الدواء حدثت أضرار كثيرة منها تزايد تساقط الشعر واضطراب في هرمونات الذكورة وللأسف فقد للقدرة الجنسية مما أثر على العلاقة الزوجية وحتى بعد التوقف عن استخدام الدواء لمدة سنتين لم تعد الأمور لطبيعتها وقد تبين لي بعد البحث في هذا الأمر أنني لست الوحيد الذي يعاني من هذه الآثار الجانبية الدائمة ولكن هناك الكثير ممن يعانون من نفس الآثار مما ترتب عليه خراب العلاقات الزوجية وحصول الاكتئاب وفقد الرغبة في العمل والحياة بصفة عامة ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد وصل الأمر إلى القضاء ضد شركة الأدوية المنتجة لهذا الدواء لفشلها في وضع تحذيرات مناسبة لمثل هذه الأعراض، فهل يحق لي شرعا المطالبة بتعويض مادي مقابل هذا الضرر الجسدي والنفسي الذي أحل بي؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت الشركة المنتجة لهذا الدواء لم تضع في نشرتها الإرشادية تحذيراً مناسباً لمثل هذه الأعراض الجانبية، فإنها تضمن التلف، جاء في بحث الدكتور عبد الرحمن الردادي صناعة الدواء والأحكام المتعلقة بها: إذا صنع مصنعو الدواء دواء ذا ضرر كبير، أدى استخدامه إلى تلف في الأنفس والأعضاء لعدد من الناس، فمن يضمن هذا التلف؟ لا شك أن هذا الدواء قد اشترك في إخراجه عدد من الناس، في تركيبه، وصناعته، وتجربته، وإجازته، ووصفه للمرضى، فهل يشترك كل هؤلاء في الضمان، أم يختص به بعضهم؟ الأصل أن جميع هؤلاء لم يتعمدوا التلف، وإنما اجتهدوا في نفع الناس ومعالجتهم من أدوائهم، ويتمنون زوال الآلام، لما في ذلك من ربح لهم بأخذ الأجرة المستحقة، ولذا لم تصل العقوبة إلى القصاص، لكن يبقى عليهم الضمان، قال الدسوقي: إنما لم يقتص من الجاهل لأن الفرض أنه لم يقصد ضرراً، وإنما قصد نفع العليل أو رجا ذلك وأما لو قصد ضرره فإنه يُقتص منه والأصل عدم العداء ـ أما بالنسبة لصانع الدواء فإن الضرر الناتج عن استعمال الدواء إن كان من ضمن الأضرار التي ذكرت في الإرشادات الطبية المرفقة مع الدواء، فإن المسئولية لا تقع على الشركة المصنعة للدواء كما تقدم، وإنما تقع المسئولية على الطبيب، فالمفترض حكماً أنه يعرف ما في الدواء من مخاطر على المريض الذي يعاني من مرض آخر لا يتناسب هذا الدواء مع مرضه، أما إذا كان الضرر الناتج عن استعمال الدواء، لم يذكر في الإرشادات الطبية المرفقة مع الدواء، فإن المسئولية تقع على الشركة المصنعة للدواء، فإن كان العاملون في مجال صناعة الدواء قد بذلوا وسعهم، وهم من أهل الخبرة والدراية في هذا الباب، ولم يتعمدوا الخطأ، فلا يلزم الضمان في مالهم، إنما يكون الضمان على الشركة المصنعة للدواء، لأن خبراء الدواء هنا لم يصنعوا لأنفسهم، وإنما يصنعون لمصنع الدواء، وبتكليف منه، فكما أن الغنم الحاصل من تجارة الدواء له، فكذلك الغرم الحادث بسبب الدواء عليه، وهذا مقتضى العدل ... اهـ.
وأما مقدار ما يستحقه السائل من التعويض، فإن ذلك يكون بحسب ما أصابه من ضرر في بدنه، وفاته من منافع أعضائه، ففي الجناية على قوة الجماع كاملا مثلا الدية كاملة، جاء في الموسوعة الفقهية: صرح الفقهاء بأنه تجب الدية الكاملة بالجناية على قوة الجماع إذا عجز عنه كاملا بإفساد إنعاظه، ولو مع بقاء المني وسلامة الصلب والذكر، أو انقطع ماؤه، سواء أكان بالضرب على الصلب أو غير ذلك، لأن الجماع منفعة مقصودة تتعلق به مصالح جمة، فإذا فات وجب به دية كاملة. اهـ.
وأما التعويض عن الضرر النفسي أو المعنوي فراجع الفتوى رقم: 35535.
والله أعلم.