السؤال
شكرا جزيلا لكم على هذا الجهد المبارك جعله الله في ميزان حسناتكم بإذن الله وغفر ذنوبنا وذنوبكم.
كنت قد استشرتكم سابقا عن موضوع يخص أهل الكتاب حيث حصل معي موقف قبل أيام في العمل واضطررت أن أرد حيث إنني لا أحب أن أخوض في الأمور الدينية مع غير المسلمين ولكني أشعر بالذنب الشديد خوفا من أن أكون قد قلت شيئا بلا علم واستغفرت ربي خوفا من ذلك ولكن الله أعلم بنيتي حيث إنني قصدت بيان سماحة الإسلام فقط كما أرجو لهم الهداية .
المهم نحن نعمل في مدرسة بنات وحدث أن سألتني إحدى النصرانيات غير العرب لماذا تقوم الطالبات بالغناء في المدرسة هل هذا مسموح ؟ وهل مسموح لهن ذلك في المنازل ولماذا عندما يخرجن في رحلات يخلعن الحجاب مع أنهن حافظات للقرآن ومع أنه ملزم عليهن في المدرسة
فذكرت لها حديث الرسول عليه الصلاة والسلام فيما معناه عندما كان هناك غناء في منزله في العيد وذكر أنه في ديننا فسحة أيضا ولم أجزم بالحلال والحرام ولكني ذكرت لهن أن الأناشيد مع الدف الإسلامي أمر مشروع
وذكرت لها أنا كمسلمين علينا أن نلتزم بأركان الإيمان والإسلام ولكننا كبشر معرضون للخطأ ولكننا ندعو الله ونثق برحمته
وذكرت لها ترجمة الآية الكريمة التي تنص على مغفرة الله لجميع الذنوب إن شاء عدا الشرك وذلك بنية فقط بيان خطر الشرك بالله .
ولكنني أيضا ذكرت لها أننا جميعا كبشر تحت رحمة الله إن شاء غفر لنا وإن شاء عذبنا أو لا نستطيع الجزم بأن نكون في الجنة أم في النار وذكرت لها الحديث الشريف الذي يحث على الإحسان إلي أهل الكتاب وهو كما قرأته " من آذى ذميا فقد آذاني " وكيف وصفهم الله بأنهم أهل كتاب في القرآن وأن جميع الرسالات السماوية كانت ذات رسالة واحدة وهي عبادة الله فقط ودعوتها أن تقرأ سورة مريم وأنا خائفة أن أكون أذنبت في توصيل المعلومة ولا أريد التحدث مرة أخرى خوفا من أضل أحدا بغير علم .
فهل اكتفي بالاستغفار والدعاء أم أنني أخطأت خطآ كبيرا
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته لتلك المرأة الكافرة صحيح في الجملة وإن اشتمل على بعض الأخطاء، وذلك كحديث من آذى ذميا فقد آذاني فإنه كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام: وأما ما يرويه بعض العامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من آذى ذميا فقد آذاني " فهذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يروه أحد من أهل العلم. انتهى، وإنما ورد: من آذى ذميا كنت خصمه، ومن كنت خصمه خصمته. رواه الخطيب عن ابن مسعود وضعفه الألباني.
وكذلك قولك " إننا جميعا كبشر تحت رحمة الله إن شاء غفر لنا وإن شاء عذبنا أو لا نستطيع الجزم بأن نكون في الجنة أم في النار " فيه تعميم ربما يفهم منه معنى غير صحيح، والحقيقة أن من مات على الإسلام لا يشرك بالله شيئا فإننا نجزم بدخوله الجنة ولو بعد حين وأنه لن يخلد في النار، والذي يدخل تحت مشيئة الله تعالى هو ذنوبه غير الشرك فإن شاء الله غفرها له وأدخله الجنة مباشرة، وإن شاء عذبه بها في النار ثم أدخله الجنة، وكذلك نجزم أن من مات على غير الإسلام - سواء كان يهوديا أو نصرانيا أو وثنيا أو غير ذلك - فإنه لن يناله شيء من رحمة الله في الآخرة وأنه مخلد في النار أبدا، قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85}، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار.
وأما ما ذكرته من كون الرسل جميعا بعثوا بتوحيد الله تعالى فهو حق لا شك فيه، قال تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون. غير أن ما عليه أهل الكتاب اليوم ليس مما جاءتهم به رسلهم من عند الله تعالى.
وكذا ما ذكرته من أن الإسلام أباح الغناء في الأعياد ونحوها وأن في الإسلام بحمد الله لمتبعه فسحة فهو كلام حق، وكذا دعوتها لتقرأ سورة مريم هو أمر حسن، وكذا ما بينته من خطر الشرك وأنه الذنب الذي لا يغفره الله وأن وقوع بعض المسلمين في بعض الأخطاء أمر وارد ولكنهم إن ماتوا على التوحيد فهم على رجاء المغفرة كل هذا ونحوه حق لا شك فيه.
وبالجملة فما ذكرته لها صحيح سوى ما بيناه لك، والذي ننصحك به هو أن تجتهدي في التعلم وألا تمتنعي من الكلام حيث علمت فيه المصلحة فإن الدعوة إلى الله تعالى من أفضل الأعمال لكن لا بد من أن تكوني متثبتة من صحة ما تتكلمين به بأن تكوني قرأته أو سمعته من أهل العلم الثقات المعروفين بتحري الدليل واتباع الكتاب وصحيح السنة. وما وقع منك من خطأ غير متعمد فيكفيك أن تستغفري الله تعالى منه وأن تحرصي على العمل بما نصحناك به من التثبت قبل الكلام في أمر الدين.
والله أعلم.