السؤال
هل تجوز الصلاة والذكر ـ مثل التسبيح والتهليل والتحميد ـ وقراءة القرآن لشخص ميت؟ وكيف؟ ولكم شكري وتقديري .
هل تجوز الصلاة والذكر ـ مثل التسبيح والتهليل والتحميد ـ وقراءة القرآن لشخص ميت؟ وكيف؟ ولكم شكري وتقديري .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع العلماء على أن الدعاء والصدقة ينتفع الميت بهما ويصله ثوابهما، لحديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ـ ومنها: وولد صالح يدعو له.
واختلفوا ـ رحمهم الله تعالى ـ فيما عدا ذلك من الأعمال الصالحة كالذكر والقرآن والصلاة هل تنفعه ويصله ثوابها أم لا؟ فمن قائل لا يصله منها شيء، ومن قائل تصله جميعاً، وممن يفرق بين الأعمال فيقول يصله بعضها ولا يصله البعض الآخر، قال في كشاف القناع: وكل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها أو بعضها كالنصف ونحوه كالثلث أو الربع لمسلم حي أو ميت جاز ذلك ونفعه لحصول الثواب له. انتهى.
وقال الزيلعي في تبيين الحقائق تحت باب الحج عن الغير: الأصل في هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة صلاة كان أو صوماً أو حجاً أو قراءة قرآن أو أذكارا إلى غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالصدقة على الميت، وأمر أن يصام عنه الصوم، فالصدقة عن الموتى من الأعمال الصالحة، وكذلك ما جاءت به السنة في الصوم عنهم، وبهذا وغيره احتج من قال من العلماء: إنه يجوز إهداء ثواب العبادات المالية والبدنية إلى موتى المسلمين، كما هو مذهب أحمد وأبي حنيفة، وطائفة من أصحاب مالك والشافعي، فإذا أهدي لميت ثواب صيام أو صلاة أو قراءة جاز ذلك، وأكثر أصحاب مالك والشافعي يقولون: إنما شرع ذلك في العبادات المالية، ومع هذا لم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعاً وصاموا وحجوا أو قرأوا القرآن، يهدون ثواب ذلك لموتاهم المسلمين، ولا بخصوصهم، بل كان عادتهم كما تقدم ـ أي فعل العبادة لأنفسهم مع الدعاء والصدقة للميت ـ فلا ينبغي للناس أن يبدلوا طريق السلف، فإنه أفضل وأكمل. انتهى.
وقال العيني رحمه الله تعالى: اختلف الناس في هذه المسألة فذهب أبو حنيفة وأحمد ـ رضي الله تعالى عنهما ـ إلى وصول ثواب قراءة القرآن إلى الميت .. وقال النووي المشهور من مذهب الشافعي وجماعة أن قراءة القرآن لا تصل إلى الميت، ولكن أجمع العلماء على أن الدعاء ينفعهم ويصلهم ثوابه، لقوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ {الحشر: 10 } وغير ذلك من الآيات وبالأحاديث المشهورة منها قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وغير ذلك، فإن قلت هل يبلغ ثواب الصوم أو الصدقة أو العتق؟ قلت روى أبو بكر النجار في كتاب السنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله: إن العاص بن وائل كان نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة، وإن هشام بن العاص نحر حصته خمسين أفيجزئ عنه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أباك لو كان أقر بالتوحيد فصمت عنه أو تصدقت عنه أو أعتقت عنه بلغه ذلك، وروى الدار قطني قال رجل: يا رسول الله كيف أبر أبوي بعد موتهما؟ فقال: إن من البر بعد الموت أن تصلي لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صيامك وأن تصدق عنهما مع صدقتك، وفي كتاب القاضي الإمام أبي الحسين بن الفراء عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إذا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم فهل يصل ذلك إليهم؟ قال: نعم ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدي إليه، وعن سعد أنه قال يا رسول الله إن أبي مات أفأعتق عنه؟ قال: نعم، وعن أبي جعفر محمد بن على بن حسين أن الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ كانا يعتقان عن علي رضي الله عنه، وفي الصحيح قال رجل يا رسول الله إن أمي توفيت أينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: نعم، فإن قلت قال الله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى {النجم: 39 } وهو يدل على عدم وصول ثواب القرآن للميت؟ قلت اختلف العلماء في هذه الآية على ثمانية أقوال أحدها أنها منسوخة بقوله تعالى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ {الطور: 21 } أدخل الآباء الجنة بصلاح الأبناء قاله ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ومنها أن ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل فأما من باب الفضل فجائز أن يزيد الله تعالى ما شاء، قاله الحسين بن فضل، ومنها أنه ليس له إلا سعيه غير أن الأسباب مختلفة فتارة يكون سعيه في تحصيل الشيء بنفسه، وتارة يكون سعيه في تحصيل سببه مثل سعيه في تحصيل قراءة ولد يترحم عليه وصديق يستغفر له، وتارة يسعى في خدمة الدين والعبادة فيكتسب محبة أهل الدين فيكون ذلك سبباً حصل بسعيه، حكاه أبو الفرج عن شيخه ابن الزغواني، وغير ذلك من الأقوال في تلك الآية. انتهى من عمدة القاري بتصرف يسير.
وللاستزادة في ذلك انظر الفتاوى التالية أرقامها: 43619، 54695، 5541.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني