السؤال
هل المرأة تؤجر على الألم الذي تتألمه خلال الدورة الشهرية ؟ وهل تؤجر على الألم الذي تعانيه خلال قيامها بأمور النظافة من نتف الإبط، وحلق العانة ؟ وهل تؤجر على قيامها بأعمال المنزل سواء عند أهلها أو بيت زوجها، من تنظيف، وجلي، وكوي، وغسيل. فهذه الأعمال تأخذ الكثير من وقتها؟ هل صحيح أن المرأة خلال أيام الدورة يكتب لها أجر ما تفعله في أيامها العادية من صلوات، وقراءة قرآن، وتسبيح؟ وهل هذا يقتصر على الأعمال التي تقوم بها دوما أم أي شيء كانت تفعله من نوافل ؟
وإذا كان الأجر يقتصر على ما تقوم به دوما فما ذنب المرأة أن يذهب عليها أجر ما كانت ستفعله من نوافل متفرقة ؟ ولماذا المرأة ناقصة عقل ودين إذا كان الله قد اختار لها أن تقصر بعبادتها كل شهر؟
صلاة التراويح في أيام الدورة لا تستطيع أن تصليها طبعا. فهل يكتب لها أجرها أم أنها يجب أن تصليها في الأيام التي تقضي بها صيام رمضان؟ وكذلك المرأة أحيانا لا يسمح لها زوجها أن تطلع على الإنترنت، وذلك لا يسمح لها أن تكسب أجرا مثل أن ترسل حديثا، أو تعظ بموعظة، أو ترسل فائدة. وهذا يحرمها من الأجر. فهل طاعته تجلب أجرا أكبر؟ وهل في الجنة للمرأة حور عين أم فقط للرجال؟ فنحن لم نسمع حديثا عن حور عين رجال للمرأة؟
وكذلك أحس أن المرأة مكلفة بأشياء أكثر من الرجل سواء كانت متزوجة أو لا، فهي إن كانت متزوجة مكلفة بأعمال المنزل ومكلفة بتربية الأولاد، وأحيانا يطلب منها زوجها العمل، وعليها بتوفير جو الأمان في البيت للأولاد والزوج، كما يجب أن تقوم بعبادتها المفروضة عليها، ويجب أن تعمل بكل هذه الأمور عدا الآلام التي تعانيها من صغرها حيث الدورة الشهرية، وكذلك آلام الولادة والأمراض التي تحل بها، وكذلك أحيانا المرأة تجبر من قبل أهلها على لباس معين، وكذلك يجبرها زوجها على لباس معين وهي ما عليها إلا أن تطيع إن رغبت بذلك، لأنها إن لم تطع زوجها ربما يطلقها، وفوق كل ذلك وبعد كل هذا التعب من زواج وولادة، وصبر على الزوج، تضطر أن تتخلى عن أولادها ولا يعيشون معها، مع أنها هي التي تعبت فيهم، وهي التي تحمل قلب الأم، ومع ذلك تضطر أن تفقد أولادها؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فظاهر في سؤالك نوع اعتراض على بعض ما يقدره الله تعالى ويحكم به، وهذا لا يليق بالمسلم، والواجب على المسلم ذكرا كان أو أنثى أن يرضى بجميع ما يقدره الله ويقضيه، وأن يمتثل أوامره ويجتنب نواهيه، وعلى المسلم أن يعلم أن الله تعالى حكيم خبير يضع الأشياء في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، وقد كلف كلا بما يعلم أنه يصلحه، وقدر على عباده ما يعلم أنه هو الخير لهم، وانظري الفتوى رقم: 160433 وزعمك بأن المرأة كلفت أكثر مما كلف به الرجل زعم غير صحيح، فإن الرجل قد كلف بالسعي والتكسب, وأمر بالنفقة على زوجه وعياله, وكلف بما لم تكلف به المرأة، فوجب عليه الجمعة والجماعة والجهاد ونحو ذلك، وبالجملة فإن الله تعالى كلف كلا بما يعلم أنه يصلحه كما مر، قال تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك:14}.
وأما هل تؤجر المرأة على ما يصيبها من ألم في حال حيضها؟ فنعم، إن صبرت واحتسبت، وكذا ما يصيبها من ألم عند الاستحداد ونحوه، فإنها تؤجر عليه إن شاء الله، فضلا عن أجر قيامها بالسنة، وكذا ما تقوم به من خدمة زوجها وعيالها، وعمل في بيتها من تنظيف ونحوه، فإنه من طاعة الله تعالى ولا شك في كونها مأجورة عليه.
وأما نقصان دين المرأة وعقلها فأمر لا ذنب لها فيه ولا تأثم به، بل هو أمر قدره الله عليها.
وهل تثاب على ما كانت تفعله من صلاة في غير أيام الحيض؟ الراجح أنها لا تثاب على ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ذلك نقصا في دينها. قال النووي رحمه الله: وأما وصفه صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان الدين لتركهن الصلاة والصوم فِي زَمَنِ الْحَيْضِ فَقَدْ يُسْتَشْكَلُ مَعْنَاهُ وَلَيْسَ بِمُشْكِلٍ، بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الدِّينَ وَالْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ مُشْتَرِكَةٌ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أَنَّ الطَّاعَاتِ تُسَمَّى إِيمَانًا وَدِينًا، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عَلِمْنَا أَنَّ مَنْ كَثُرَتْ عِبَادَتُهُ زَادَ إِيمَانُهُ وَدِينُهُ، وَمَنْ نَقَصَتْ عِبَادَتُهُ نَقَصَ دِينُهُ، ثُمَّ نَقْصُ الدِّينِ قَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ يَأْثَمُ بِهِ كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ أَوِ الصَّوْمَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنَ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ لَا إِثْمَ فِيهِ كَمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ أَوِ الْغَزْوَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجِبُ عليه لعذر، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ هُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ كَتَرْكِ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ، فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً فَهَلْ تُثَابُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْضِيهَا، كَمَا يثاب المريض والمسافر، وَيُكْتَبُ لَهُ فِي مَرَضِهِ وَسَفَرِهِ مِثْلَ نَوَافِلِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا فِي صِحَّتِهِ وَحَضَرِهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا لَا تُثَابُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ كَانَ يَفْعَلُهَا بِنِيَّةِ الدَّوَامِ عَلَيْهَا مَعَ أَهْلِيَّتِهِ لَهَا، وَالْحَائِضُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ نِيَّتُهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا نِيَّةُ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ، فَنَظِيرُهَا مُسَافِرٌ أَوْ مَرِيضٌ كَانَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ فِي وَقْتٍ وَيَتْرُكُ فِي وَقْتٍ غَيْرَ نَاوٍ الدَّوَامَ عَلَيْهَا، فَهَذَا لَا يُكْتَبُ لَهُ فِي سَفَرِهِ وَمَرَضِهِ فِي الزَّمَنِ الذي لم يكن يتنفل فِيهِ. انتهى.
وأما التسبيح وقراءة القرآن، فإن المرأة لا تمنع منه حال حيضها، وفي جواز قراءة القرآن لها خلاف، والراجح أنه يجوز لها ذلك، وانظري الفتوى رقم: 122876 فيمكن الحائض أن تجتهد في ما يسره الله لها من أعمال البر التي لا تمنع منها، ويكون ذلك زيادة في إيمانها ودينها؛ إذ الإيمان يزيد بالطاعات كما هو معلوم.
وأما صلاة التراويح فإنه لا يشرع للمرأة قضاؤها مع أيام صومها التي تقضيها، فإن الحائض لا تقضي الصلاة.
وأما المرأة الصالحة التي تدخل الجنة فإن الله يكرمها بما شاء من أنواع النعيم، وليس لها في الجنة إلا زوج واحد، ولتنظر الفتويين: 10579 ، 152399 ، ولا ريب في أن طاعة المرأة زوجها من أجل القربات وأعظم الطاعات، وهي موعودة على طاعته جزيل الثواب، فلو أطاعت المرأة زوجها وأحسنت تبعله كان ذلك خيرا لها وأحمد عاقبة.
والله أعلم.