السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر 21 عاما، وعندما كنت في سن 14 أو 15 كنت أخرج مع خالي الذي يعمل مسحرا في رمضان، وكنت أجمع له المال من البيوت، وكنت آخذ مالا دون علمه، وقد أخذت مبلغا لا بأس به، والآن قد التزمت وتبت توبة نصوحا عن مثل هذه الممارسات، ولكنني تعبت نفسيا من هذا الموضوع وخائف من عذاب الله عز وجل لأكلي مالا ليس من حقي، أخبروني ماذا علي أن أفعل؟ وأنا بصراحة لا أستطيع أن أرجع المال له لأنني أخذت مبلغا كبيرا لا أذكره، وأنا لازلت طالبا وظروف أهلي صعبة جدا جدا وأيضا لا أستطيع أن أفتح الموضوع مع خالي كي أطلب منه أن يسامحني، لأنني أحمل في العائلة سمعة طيبة من التزام وأدب وأخلاق وتعلم، وأنا فعلا هكذا، والآن إن أخبرته فسوف تتشوه سمعتي، فماذا أفعل؟ أرجوكم فهذا الموضوع يؤرقني وأشعر أن كل أعمالي الصالحة وصلواتي غير مقبولة بسبب أكل مال ليس من حقي، أنتظر إجابتكم بفارغ الصبر، وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على طريقه المستقيم، والذي عليك أن تفعله الآن أن تحمد الله تعالى أن وفقك للالتزام والتوبة النصوح، وعليك أن تسعى بكل وسيلة تستطيعها حتى ترد ما تعلم أنه يبرئ ذمتك من المال إلى صاحبه، فقد روى الإمام أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. حسنه الأرناؤوط.
وقال صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري.
وإذا حصلت على حقه فلن تعدم وسيلة توصله إليه بطريقة تحفظ لك كرامتك، فبإمكانك مثلا أن تقدمه له بطريقة بحيث يظن أنه هدية منك، أو بطريقة غير مباشرة أخرى، ولا يلزمك إخباره بما جرى منك، ولكن ذمتك لا تبرأ من ذلك الحق إلا برده أو بمسامحة صاحبه، فإذا كنت لا تقدر على أدائه في الوقت الحاضر فإنه يبقى دينا في ذمتك حتى تؤديه إليه عندما يتيسر لك، فإن الشرع أنظر المعسر إلى ميسرته، قال الله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ {البقرة:280}.
وأما مجرد إخبارك له إذا لم تترتب عليه المسامحة أو بقصد طلبها فإنه لا فائدة منه وخاصة إذا كان يؤدي إلى الفضيحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالستر، فقال: من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله.. رواه مالك في الموطأ.
فالذي عليك الآن هو أن توثق هذا الحق بالكتابة أو تشهد على أن لخالك عليك مبلغ كذا من المال وتحتاط فيما تشك فيه حتى لا يضيع حقه، ولا يلزم أن تذكر السبب، فإذا وجدت حقه في أي وقت أديته إليه ـ كما ذكرنا ـ أو تستحله منه مباشرة.
لكنك إذا كنت حقيقة خائفا من عذاب الله عز وجل ومفاجأة الموت ولا تستطيع رد المال فلا ينبغي أن تخجل من فتح الموضوع مع خالك، وتطلب منه أن يسامحك أو يمهلك، فإن ما ترجوه من أمل في السمعة الطيبة بين العائلة لا ينبغي أن ينسيك جانب الله، فهو الجانب الحقيق بالاعتبار، فحقوق العباد لا بد من أدائها إذا لم يسامحوا بها ـ كما أشرنا ـ فإذا لم يأخذوها الآن، فقد يأخذونها يوم القيامة حسنات أو تخلصاً من سيئات، كما في الحديث المذكور، وأما صلواتك وأعمالك الصالحة: فإنها صحيحة إذا تمت بشروطها، وقد برئت ذمتك منها ولا يلزمك قضاؤها عند جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنفية.. ويوجهون ذلك بأن لهذا العمل جهتين منفكتين غير مترابطتين، وبأن الحرمة لأمر خارج عن العمل لا لذات العمل، قال خليل المالكي في مختصره: وعصى وصحت ـ أي الصلاة ـ إن لبس حريراً أو ذهباً أو سرق أو نظر محرما.
وأما القبول والثواب على العمل فعلمه عند الله تعالى، ونرجو منه أن يتقبل منك كل عمل صالح.
والله أعلم.