السؤال
أنا رجل موظف، وقادر على الزواج، أمضيت ثلاث سنوات ألح على والدي بالزواج، لكنهما رفضا بدون أسباب، فتزوجت بدون علمهما من فتاة يعلم الله أنها كانت من دواعي صلاحي، وتوجيهي للخير، وأنها دائما ما توصيني على والدي، وعلى فعل الخير، وبعدها أخبرت أهلي بالزواج، فجاء إخواني الى منزلي، وهددوني إن لم أطلق ثلاثا سيقتلوني، ويقتلون امرأتي، وخوفا على امرأتي طلقتها ثلاثا بالألفاظ التالية: أنت طالق طالق طالق. وأنا لم أنو، لكن مجبور لفعل ذلك. وهل يحق لي إرجاعها ؟ وهل إذا أرجعتها يعتبر ذلك عقوقا لوالدي؟ وبماذا تنصحوني أن أفعل رغم أنها حامل. وشكرا لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزواج مرغب فيه شرعا بنصوص من الكتاب والسنة، سبق ذكر بعضها بالفتوى رقم: 18616. ويترتب عليه الكثير من المصالح.
قال البهوتي الحنبلي في حاشيته الروض المربع عند قول صاحب زاد المستقنع: وفعله مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة، لاشتماله على مصالح كثيرة؛ كتحصين فرجه وفرج زوجته، والقيام بها، وتحصيل النسل، وتكثير الأمة، وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك... اهـ.
ويختلف حكم الزواج باختلاف أحوال الناس كما بينا بالفتوى رقم: 3011.
وليس من حق الوالدين منع الولد من الزواج لغير مسوغ شرعي، ولا تجب عليه طاعتهما في هذه الحالة، فطاعة الوالدين واجبة وجوبا مؤكدا، ولكنها إنما تجب في المعروف، وليس من المعروف منع الوالدين ولدهما مما فيه مصلحة له لمجرد الحمق، أحرى إذا كان يلحقه بذلك المنع ضرر، ومن هنا وضع العلماء لوجوب طاعتهما قيودا أوضحناها بالفتوى رقم: 76303.
وعلى هذا؛ فإن لم يكن لوالديك سبب شرعي في منعك من الزواج فلست آثما بمخالفتهما في ذلك، وإن كان هنالك سبيل لرجعتها فأرجعتها فلا تعتبر عاقا لهما.
بقي أن ننظر في أمر هذا الطلاق، فإن كان الواقع ما ذكرت من تهديد إخوتك لك بقتلك وقتل زوجتك إن لم تطلقها، وغلب على ظنك تنفيذهم ذلك، ولأجله طلقت، فهذا إكراه ملجئ لا يقع معه الطلاق أصلا، وراجع الفتوى رقم: 40934 وقد بينا فيها حكم طلاق المكره، وأحلنا على فتوى تبين ماهية الإكراه الملجئ.
وعلى فرض كون هذا الإكراه غير ملجئ، وأن الطلاق يقع معه، فإن الزوج إذا طلق زوجته بلفظ: أنت طالق طالق طالق، ولم ينو شيئا، تقع به طلقة واحدة.
قال ابن قدامة في المغني: فإن قال: أنت طالق طالق طالق، وقال: أردت التوكيد، قبل منه، لأن الكلام يكرر للتوكيد، كقوله عليه السلام: فنكاحها باطل باطل باطل ـ وإن قصد الإيقاع وكرر الطلقات، طلقت ثلاثاً، وإن لم ينو شيئاً لم يقع إلا واحدة لأنه لم يأت بينهما بحرف يقتضي المغايرة، فلا يكن متغايرات. اهـ.
وفي هذه الحالة تمكن رجعتها، فيرجعها بغير عقد جديد إن كانت في العدة، فإذا انقضت عدتها فلا يرجعها إلا بعقد جديد. وراجع الفتوى رقم: 30332 وهي عن أنواع الطلاق.
ونوصي الأهل عموما بأن يتقوا الله في أولادهم، وأن يحذروا الحيلولة بينهم وبين فعل الخير، فربما أدى مثل هذا إلى الوقوع في قطيعة الرحم والإساءة في القربى، والمطلوب شرعا صلة الرحم والإحسان في القربى، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 6719.
والله أعلم.