السؤال
قبل أكثر من سنتين تزوج أخي الأكبر بالسر من بنت عربية ليست من جنسية بلدنا وذلك بعد رفض الوالدين لها، وقد أخبره والديّ بموقفهما، وأنهم لا يوافقون على زواجه من هذه البنت، ولعل السبب الأكبر في الموضوع أنها ليست من جنسية بلدنا أو من جنسية البلدان القريبة منا (الخليج)، وقد تعهد أخي في البداية بأنه لن يتزوج منها، وأظهر لوالديّ أنه لن يخالف أمرهما، وبعد ذلك بفترة ذهبت أمي وأخواتي إلى عرس، وقد حضرت هذه البنت العرس نفسه وجلست بجوار أمي وأخواتي وحصلت الإساءة منها لهم في حضرة الحاضرين، وأخبرتهم بأن حفلة زفافها من أخي قريبة وحددت لهم اليوم، وقد تأثرت أمي كثيرا وأخواتي وخرجن من العرس، وقد استدعى والديّ أخي، وأخبراه بما حصل، فأنكر علمه بما قالوه وأنه لا علاقة له بذلك، واشتد الكلام بينه وبينهم وكاد أن يضرب أختي، وبعد ذلك بيوم تدخلت وكلّمته وطلبت منه عدم الإقدام على الزواج من هذه البنت إذا لم يكن قد تزوج منها بعد، وأن لا يخسر والديه من أجل هذه البنت، وذكّرته ونصحته، وفي اليوم التالي تبين لنا من خلال الأوراق الثبوتية بأنه متزوج منها بالفعل فقامت والدتي بطرده من البيت والتبرّي منه، وبعد ذلك حصلت القطيعة بيننا وبينه حتى اليوم، حاولت منذ فترة وجيزة الإصلاح ولكنّي واجهت صدًّا شديدًا من أمي وأختي الصغيرة.
ووالدتي تفوض اللَّــه ليأخذ بحقها ويرد عنها الإساءة التي حصلت لها.
أسئلتي هي :
هل أخطأ أخي وما هو الخطأ الذي وقع فيه؟ وهل يعتبر عاقا لوالديه؟
وهل والديّ على حقّ فيما فعلا؟
هل نحن (كإخوة وأخوات) مخطئون وعلينا وزر في مقاطعتنا لأخي مع العلم أنه الأخ الأكبر في العائلة؟ وهل ذلك من قطيعة الرحم؟
هل يجب علينا نحن كإخوة الإصلاح، وهل علينا إثم إذا لم نفعل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما كان ينبغي لأخيك أن يصر على مخالفة أبويه في الزواج من تلك الفتاة بعينها ما لم يكن خشي على نفسه الوقوع معها في الحرام ، وقد قال ناظم النوازل العلوية في الفقه المالكي:
لابن هلال طوع والد وجب إن منع ابنه نكاح من خطب
ما لم يخف عصيانه للمولَى بها فطاعة الإله أولى
ولعله خشي على نفسه من الوقوع مع تلك البنت في الحرام وذلك هو ما ألجأه لإخفاء الزواج عن أبويه فيلتمس له العذر. ولا يعتبر بذلك عاقا لوالديه لكن لا يهجرهما ولا يقطع صلتهما مهما كان منهما.
ولا ينبغي للأبوين ترك ابنهما من أجل زواجه بمن لا يرضيان فذلك لا يصلح الأمر ولا يقرب الابن منهما؛ بل ربما يكون ذلك سببا في عون الشيطان عليه وبعده عنهما، بينما لو أظهرا الشفقة والنصح والحب فربما يكون ذلك سببا في إنابته من خطئه ورجوعه إلى رشده .
كما لا يجوز للإخوة والأخوات مقاطعة أخيهم، بل ينبغي أن يسعوا في صلح ذات البين ولم الشمل وترضية الأبوين ونصح الأخ. وإذا هجروا أخاهم وتركوا صلته فإنهم يأثمون بذلك .
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22278، 24983، 7119.
والذي ينبغي عليكم فعله هو أن تسلكوا مسلك الحكمة في معالجة هذا الأمر، فإن الإصلاح من أعظم القربات، قال تعالى:لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114].
ولمكانة الإصلاح جعله النبي صلى الله عليه وسلم واحداً من الأمور الثلاثة التي يرخص فيها الكذب، ففي الصحيحين من حديث أم كلثوم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيراً أو يقول خيراً. وفي رواية مسلم قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.
وظاهر كلام أهل العلم في الإصلاح أنه واجب على من يستطيع التأثير على المتنازعين في أمر يسبب قتالاً أو قطيعة رحم، وليس واجبا على كل أحد،
والله أعلم.