الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى أن الإسلام قد حث الراغبين في الزواج على اختيار المرأة الدينة، التي تخاف ربها وتعرف حدوده فتقف عندها. ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها. فاظفر بذات الدين تربت يداك.
فمثل هذه المرأة أرجى لأن تعرف لزوجها حقه عليها فتؤديه على أكمل وجه، فبذلك تدوم معها العشرة، وأحرى بأن تربي الأبناء على عقيدة وأخلاق الإسلام، وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه. والحياة الزوجية مشوار طويل لا يبنى الاختيار فيه على أمور عاطفية سريعة الزوال يحصل بعدها ما لا تحمد عواقبه.
والفتاة المذكورة إن كانت على هذا الحال، فهي ليست بذات دين وخلق، فلا ننصحك بالزواج منها وهي كذلك، إلا أن يستقيم أمرها ويصلح حالها، فحياة تبدأ قبل الزواج بمثل هذا الخلاف كيف يرجى لها الثبات والاستمرار؟!! وفسخ الخطبة أهون وأقل أثرا من الطلاق بعد تمام الزواج. ثم إن فسخ الخطبة لا حرج فيه، لكون الخطبة مجرد مواعدة بين الطرفين يحق لأيهما فسخها متى شاء كما هو مبين بالفتوى رقم: 18857.
والحجاب الشرعي فريضة على المرأة المسلمة البالغة لا يجوز لها التفريط فيه، ولا الخروج متبرجة، ولا يكون الحجاب شرعيا إلا إذا توفرت فيه مواصفات سبق بيانها بالفتوى رقم: 6745 فراجعها.
وليس في الحجاب حد أدنى أو حد أعلى، فالمطلوب فيه المواصفات المذكورة، فإذا اختل فيه أي منها لم يكن حجابا شرعيا. وإذا توفرت فيه لا يهم أن يكون من أي لون من ألوان اللباس.
وأما وصفك بالتزمت، إن كان لمجرد استنكار ما تلبسه هذه الفتاة، فهذا الوصف في غير محله، ويمكن مراجعة الفتوى رقم: 69967 ففيها بيان ماهية التشدد المذموم. ويبدو أن مثل هذا الكلام قد أثر عليك بدليل ما ذكرته بعد من قولك:" فبدأت أحس أنني أبالغ بالرفض ويحيرني هذا...". والثبات على المبادئ الشرعية مطلوب، والمجاملة على حساب الدين أمر ممقوت. قال تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ {القلم:9}.
والاختلاط بين الرجال والنساء إن كان على وجه لا تمايز فيه بينهم، أمر محرم، ومفاسده ظاهرة، سواء كان في الحفلات أم في غيرها، وإذا انضم إلى ذلك وجود شيء من الغناء المحرم أو المعازف، كان البلاء آكد والفتنة أعظم والإثم أشد. وانظر الفتويين: 77087 - 3539. والاختلاط في الأندية حكمه حكم الاختلاط في غيرها من الأماكن، لا يجوز منه إلا ما كان فيه تمايز بين الرجال والنساء، وعدم وجود منكرات من إبداء العورات ونحو ذلك. ومثل هذا عزيز وجوده وخاصة في بلاد الكفر.
وإذا كان الزوج يؤمن بالله واليوم الآخر فإنه لا يقر زوجته على المشاركة في أندية لا تراعى فيها الضوابط الشرعية، إلا إذا كان هذا الزوج ديوثا، وراجع في تعريف الديوث الفتوى رقم: 56653. فيأثم الزوج إذن بإقرارها، كما تأثم الزوجة بمشاركتها.
وما ذكرته أخيرا من تأففها وقولها: " إنها هكذا وتريد أن تبقى كذلك" مما يدل على رقة في الدين، وسوء في الخلق لا يرتضى، ولا ترتضى صاحبته زوجة. والواجب عليك مناصحتها بالحكمة والموعظة الحسنة. هذا مع العلم بأنه لا يجوز للرجل محادثة المرأة الأجنبية إلا لحاجة، ومع مراعاة الضوابط الشرعية في ذلك كالتحرز من الخلوة بها ونحو ذلك، والمخطوبة أجنبية عن خاطبها حتى يعقد له عليها.
وخلاصة القول هو عدم الزواج من هذه الفتاة ما دامت كذلك، والبحث عن امرأة صالحة تحفظ نفسها وتحفظ حق زوجها، ولن تعدم امرأة كهذه، قال تعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ {النساء:34}. قال المفسرون في معنى:"حافظات للغيب": أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله.
وقال البخاري في كتاب التفسير من صحيحه: [ حافظات للغيب ] صائنات لنفوسهن في غيبة أزواجهن كما يصنها في حضرتهم. [ بما حفظ الله ] كما أمر الله تعالى، ومقابلة لوصية الله تعالى بهن وأمره الرجال بحفظهن والإحسان لهن. اهـ.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وأخذ بنواصينا إلى البر والتقوى.
والله أعلم.