السؤال
استيقظت في يوم من الأيام من النوم على صوت جرس الباب؛ لأجد زوجتي تهم بارتداء ملابسها لفتح الباب, وكنت قد حذرتها من قبل من أن تفتح الباب لأحد في غيابي, فغضبت وقلت لها: "لو تكرر ذلك ثانية سنترك بعض" وبعد أن هدأت وعلمت بأن هذا طلاق معلق قمت بتحذيرها من فتح الباب لأحد إلا بإذني أو بمعرفتي, وبعدها بيومين قامت بفتح الباب لإخراج كيس القمامة, علمًا بأنه لم يكن هناك أحد على الباب, وهي تعلم أن ذلك لا يوقع شرط الطلاق المعلق؛ لأني حذرتها من الفتح لأحد, وليس فتح الباب على الإطلاق, وبعد أن علمت بأنها فتحت الباب شككت في قصدي أن يكون المقصود وقتها أنها لا تفتح الباب بشكل عام إلا باذني، وأن الطلاق يكون بهذا قد وقع, علمًا بأن كل تحذيراتي طوال الفترة قبل فتحها الباب كان المقصود هو الفتح لأحد دون إذني، وليس الفتح على الإطلاق دون إذن, ولكني شككت في الأمر بعد قيامها بفتح الباب لإخراج القمامة, وبالتالي قمت بردها إلى عصمتي بأن قلت: " لو أن ما فعلته يوقع الطلاق فإني أراجعك وأردك إلى ذمتي".
والسؤال الآن: ما هو الوضع في حالة شكي في حدود شرط تعليق الطلاق - إذا كان فتح الباب عامًا دون إذني, أو الفتح لأحد دون إذني - ومتى يقع الطلاق الآن؟
وهل وقع الطلاق بما فعلته؟ علمًا بأنني لم أكن قد حذرتها منه قبل إقدامها عليه, ولكنني عندما علمت شككت في أن ما فعلته يدخل ضمن الشرط الذي وضعته.
أيضًا أود أن أسأل: ما هي حدود الإذن الذي يمكن أن أمنحها إياه لفتح الباب؟ أي هل يمكن أن آذن لها بفتح الباب إذا علمت بأن أمها ستأتي لزيارتها في موعد محدد في غيابي؟ وهل يمكن أن آذن لها بفتح الباب لكل من يأتي خلال يوم أو أسبوع محدد مثلًا مهما كان الشخص؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجمهور على وقوع الطلاق المعلق بحصول المعلق عليه, سواء قصد به الطلاق أو التأكيد على أمر أو الحث أو المنع ونحو ذلك، وهذا هو المفتى به عندنا, خلافا لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - الذي يرى أن الحالف إذا لم يكن يقصد تعليق الطلاق, وإنما قصد بيمينه المنع, أو الحث, ونحو ذلك فلا يقع الطلاق بالحنث في اليمين, وإنما تلزمه كفارة يمين بالله، وانظر الفتوى رقم: 11592.
وهذا اللفظ الذي صدر منك هو في الحقيقة تعليق للطلاق بلفظ الكناية؛ لأن قولك: " سنترك بعض" كناية وليس صريحًا في الطلاق ، والكناية لا يقع بها الطلاق إلا بالنية، وعليه فإن كنت لم تقصد بهذه العبارة الطلاق فلا يقع على زوجتك طلاق ولو فعلت المعلق عليه، وأما إن كنت قصدت الطلاق، فإن زوجتك إذا فعلت ما علقت عليه الطلاق وقع طلاقها، والراجح عندنا أن المرجع في تعيين المعلق عليه إلى النية، قال ابن قدامة - رحمه الله - في المغني: " وجملة ذلك أن مبنى اليمين على نية الحالف، فإذا نوى بيمينه ما يحتمله، انصرفت يمينه إليه، سواء كان ما نواه موافقًا لظاهر اللفظ، أو مخالًفا له، .......، والمخالف يتنوع أنواعًا؛ أحدها: أن ينوي بالعام الخاص، مثل أن يحلف لا يأكل لحمًا ولا فاكهة. ويريد لحمًا بعينه، وفاكهة بعينها. ومنها: أن يحلف على فعل شيء أو تركه مطلقًا، وينوي فعله أو تركه في وقت بعينه..... ", فإن عدمت النية رجع إلى سبب اليمين، قال ابن قدامة صاحب الشرح الكبير: " ويرجع في الأيمان إلى النية, فإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها"
والشك في النية كعدمها, فإذا كنت شاكًا في نيتك فالمرجع إلى سبب اليمين، وما دام سبب يمينك منع زوجتك من فتح الباب لأحد بغير إذنك، فإن يمينك تنصرف إلى هذا المعنى وتخصص به، وعليه فلم يقع طلاق زوجتك بفتحها الباب لإخراج القمامة، ولا حرج عليك في الإذن لها بفتح الباب لشخص معين أو لغير معين لفترة معينة, وغير ذلك, ولا يقع على زوجتك طلاق حينئذ.
والله أعلم.