السؤال
دائمًا وأنا أقرأ سورة العلق - وهي أول ما نزل من كتاب الله عز وجل - أقف حائرًا عند هذه الآيات الكريمات: " أرأيت الذي ينهى * عبدًا إذا صلى " وأتساءل: أفرضت الصلاة قبل نزول القرآن؟
ونفس السؤال في أحداث الإسراء والمعراج حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إمامًا في المسجد الأقصى قبل أن يعرج به وتفرض عليه الصلوات, وقد علَّمنا صلوات الله وسلامه عليه كيفية الصلاة, وأرشدنا إلى طريقتها.
يا شيخنا: أشهد أن النار حق, وقد رأيت بابًا لها في نومي, وأن كعبة السماء حق, وقد رأيتها وما كتب عليها, ورأيت بيوتًا كتب عليها عبد الله, وترك ما تحته غير مكتوب ليكتب اسم صاحب البيت حين يسكنه, وأنا غير ملتحٍ, وحولي من يؤكد لي أنني أترك أمرًا مؤكدًا لا خلاف فيه, فهل أحاسب على ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سورة العلق لم تنزل دفعة واحدة، بل نزل منها خمس آيات من صدرها على النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء، وأما ما بعدها فلم ينزل إلا بعد فترة، قال الشيخ أبو بكر الجزائري في أيسر التفاسير: الآيات الخمس الأولى نزلت في أول ما نزل، وما بعد (كلا إن الإنسان ليطغى) نزل بعد ذلك بفترة طويلة اهـ.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى ..) نزلت بعد مدة من شأن أبي جهل بن هشام اهـ.
وقد عقد شيخ الإسلام ابن تيمية فصلًا في مسألة: (هل في اللغة أسماء شرعية نقلها الشارع عن مسماها في اللغة، أو أنها باقية في الشرع على ما كانت عليه في اللغة, لكن الشارع زاد في أحكامها لا في معنى الأسماء) وقال خلاله: الاسم إنما استعمل على وجه يختص بمراد الشارع، لم يستعمل مطلقًا، وهو إنما قال: {وأقيموا الصلاة} بعد أن عرفهم الصلاة المأمور بها؛ فكان التعريف منصرفًا إلى الصلاة التي يعرفونها؛ لم يرد لفظ الصلاة وهم لا يعرفون معناه, ولهذا كل من قال في لفظ الصلاة: إنه عام للمعنى اللغوي، أو إنه مجمل لتردده بين المعنى اللغوي والشرعي، ونحو ذلك ـ فأقوالهم ضعيفة؛ فإن هذا اللفظ إنما ورد خبرًا أو أمرًا فالخبر كقوله: {أرأيت الذي ينهى. عبدا إذا صلى} وسورة {اقرأ} من أول ما نزل من القرآن، وكان بعض الكفار إما أبو جهل أو غيره قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقال: لئن رأيته يصلي لأطأن عنقه, فلما رآه ساجدًا رأى من الهول ما أوجب نكوصه على عقبيه, فإذا قيل: {أرأيت الذي ينهى. عبدًا إذا صلى} فقد علمت تلك الصلاة الواقعة بلا إجمال في اللفظ ولا عموم, ثم إنه لما فرضت الصلوات الخمس ليلة المعراج أقام النبي صلى الله عليه وسلم لهم الصلوات بمواقيتها صبيحة ذلك اليوم، وكان جبرائيل يؤم النبي صلى الله عليه وسلم, والمسلمون يأتمون بالنبي صلى الله عليه وسلم, فإذا قيل لهم: {وأقيموا الصلاة} عرفوا أنها تلك الصلاة, وقيل: إنه قبل ذلك كانت له صلاتان طرفي النهار، فكانت أيضًا معروفة, فلم يخاطبوا باسم من هذه الأسماء إلا ومسماه معلوم عندهم, فلا إجمال في ذلك. اهـ, فالصلاة كانت معروفة قبل رحلة المعراج، والذي حصل بعد هذه الرحلة هو تعين عدد الصلوات المكتوبات, وتحديد أوقاتها وأعدادها وهيئتها، بل قد كانت الصلاة معروفة في الأمم قبلنا، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 105894، 7133، 38714، 125951.
وأما مسألة اللحية: فقد أصاب من أكد لك أنك إن حلقتها فقد تركت أمرًا مؤكدًا؛ فقد حكى غير واحد من العلماء الاتفاق على تحريم حلق اللحية، وهذا ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 20178 وما أحيل عليه فيها.
ثم إننا ننبه السائل الكريم على أن المنامات لا يعتمد عليها في إثبات عقيدة ولا شريعة، وراجع في ذلك الفتويين: 97692 103602, وكون النار حقًا وأن لها أبوابًا فهذا ثابت لا مرية فيه، قال تعالى:{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر: 44], وكعبة السماء إن كان يراد بها البيت المعمور فهذا أيضًا حق ثابت، وراجع فيه الفتويين: 115174، 137619.
والله أعلم.