السؤال
هل من الطبيعي أن يجد البعض صداعًا وضعفًا في الجسد، واليد التي أمسكت ماوس الكمبيوتر، وألمًا في الظهر، وضعفًا في البصر بعد مشاهدة فيديوهات إباحية عن نساء يخدشون ذكور الرجال حتى يقذف المني، وإن كان لا يرى إلا يدها وذكره غالبًا، ولكنه لا يتلذذ برؤية ذكر الرجل ولكنه يتلذذ بالفعل نفسه؟ وتلك الحالة لا تذهب إلا بعد غسل الجسد تحت الدش بماء مقروء عليه القرآن، وإن كانت تبقى آثار لتلك الحالة والصداع فما الحل؟ وهل طلب الرقية يتنافى مع تحقيق التوحيد؟ وهل يغتسل في الحمام - الخلاء - بزيت مقروء عليه القرآن ثم يغسل جسده بالماء والصابون والشامبو؟ وما حقيقة تلك الآلام الجسدية، أهي مس من الشيطان؟ ويبدو أن التوبة لا تكفي لإزالة الألم والضعف، وبخصوص تكرار المعصية وإن كانت تليها توبة كل مرة، ولكن برحمة الله لم يصعقوا بعذاب من السماء بعد!!
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس عندنا ما نجزم به في علاقة ما تذكر من الضعف والألم بتلك المعصية.
والواجب هو التوبة إلى الله من نظر المحرمات, والعزم الصادق على غض البصر, وعدم الاطلاع على مثل هذه الأمور, فإن غض البصر من آكد أسباب العفة عن الحرام, فقد قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور : 30], قال ابن كثير: ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب، كما قال بعض السلف: النظر سهام سم إلى القلب؛ ولذلك أمر الله بحفظ الفروج, كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك. اهـ.
وقال ابن القيم في الجواب الكافي: وأمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج فإن الحوادث مبدأها من النظر كما أن معظم النار مبدأها من مستصغر الشرر. اهـ, وانظر المزيد في أحكام النظر وغائلته وما يجني على صاحبه وفي الوسائل المعينة على غض البصر في الفتوى: 93857.
وأما طلب الرقية وغيرها من أسباب العلاج: فلا تنافي التوحيد فقد قال ابن القيم: فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات، وإبطال قول من أنكرها، والأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، وأن تعطيلها يقدح بمباشرته في نفس التوكل كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى من التوكل، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولابد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب, وإلا كان معطلًا للأمر والحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلًا، ولا توكله عجزًا. اهـ.
وأما الاغتسال بالماء المقروء عليه: فهو مشروع, ولكن ينبغي أن يكون في مكان لا يختلط فيه بالماء النجس, والأولى للمرء أن يشربه إذا أمكن دون الاغتسال به, قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: قال الخلال: إنما كره الغسل به؛ لأن العادة أن ماء الغسل يجري في البلاليع والحشوش، فوجب أن ينزه ماء القرآن من ذلك، ولا يكره شربه، لما فيه من الاستشفاء. اهـ. وراجع الفتاوى التالية: 33590، 55023.
والله أعلم.