السؤال
ذهبت إلى صديقي قبل الظهيرة, وعندما قابلته كان في مزاج عكر جدًّا, وكل ما أسأله يجيب إجابات يقصد بها إغاظتي, وبدأ يسألني باستهزاء: أأنت أذكى مني؟ أأنت كذا وكذا؟ وأنا كنت أجيبه بنعم كي أغيظه, فقال لي - بمعنى كلامه -: هل أنت إله؟ وفي تلك اللحظة أجبته بتفكير سطحي بعد ثانيتين من سؤاله تقريبًا: نعم, وبعدها بقليل رجعت إلى بيتي, ولم أستدرك ما قلت إلا بعد فترة من الزمن, وبعدها استدركت أني أشركت بالله بقولي ذاك, وتذكرت أيضًا الآية: (إن الله لا يغفر أن يشرك به...), فحاولت أن أفكر هل أنا أشركت أم لا؟ وماذا أفعل؟
وأرجو أن تتحفظوا على هذه الفتوى, فربما يفتن بها من يقرؤها, أو يتساهل في دينه, والله أعلم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن قول الإنسان عن نفسه إنه إله، أو إجابته بنعم لمن سأله هل أنت إله؟ كفر أكبر مخرج من الملة، سواء كان القائل جادًا أو هازلًا, ولا ريب أن من تكلم بالكفر أو فعل ما هو كفر كفر بذلك، ما لم يكن جاهلًا بحقيقة ما يقول، أو مكرهًا إكراهًا معتبرًا، أو كان ذلك عن سبق لسان، وكلام العلماء في هذا المعنى كثير جدًّا، قال القاضي أبو بكر ابن العربي في تفسير قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ {التوبة:65}: (لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدًا أو هزلًا، وهو كيفما كان كفر؛ فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة) انتهى من أحكام القرآن، ونقله عنه القرطبي في تفسيره.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإذا تكلَّم بكلمة الكفر طوعًا فقد شرح بها صدرًا.
وقال الكشميري: والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلًا أو لاعبًا كفر عند الكل, ولا اعتبار باعتقاده، كما صرح به في الخانية ورد المحتار.
وقال في البحر الرَّائق: والحاصل أَنّ من تكلَّم بكلمة الكفر هازلًا أو لاعبًا كفَرَ عند الكلِّ, ولا اعتبارَ باعتقاده كما صرَّح به قاضيخان في فتاواه, ومن تكلم بها مخطئًا أو مُكْرَهًا لا يكفر عند الكلِّ, ومن تكلَّم بها عالمًا عامدًا كفر عند الكلِّ.
قال أبو محمد ابن حزم: وبقي من أظهر الكفر لا قارئًا ولا شاهدًا ولا حاكيًا ولا مكرهًا على وجوب الكفر له بإجماع الأمة على الحكم له بحكم الكفر وبحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وبنص القرآن على من قال كلمة الكفر أنه كافر. انتهى.
والواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى مما صدر منك، والندم، والعزم على عدم العود إلى مثل هذا القول فيما بقي من العمر لا في جد ولا في هزل، وأكثر من الاستغفار والعمل الصالح فإن الله سبحانه غفار لمن تاب, وراجع الفتوى رقم: 173589، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.