السؤال
كلنا نعرف أن المرأة إذا تزوجت وطلقها زوجها دون دخول لا يكون عليها عدة، وأنتم قلتم: إن زواج الصغيرة يكون عقدًا فقط دون دخول, واحتججتم بآية 4 من سورة الطلاق, على أن الصغيرة لو طلقها زوجها تكون عدتها 3 شهور, فكيف يكون عليها عدة وهي لم يتم الدخول بها؟ وهل معنى ذلك أن زواج الصغيرة من البالغ لا يجوز قبل بلوغها سنًا مناسبًا للوطء؟ وبعض الناس أيضًا يقول: إن هذه الآية تخص النساء ولا تخص الصغار, فهل معنى ذلك كله أنه لا يجوز العقد على الصغيرة التي لم تبلغ سنًا مناسبًا للوطء؟ أرجو الرد على الأسئلة؛ لأن هذا الأمر حيرني كثيرًا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزواج من الصغيرة التي لم تبلغ جائز عند عامة العلماء، قال ابن المنذر: وأجمعوا أن نكاح الأب ابنته الصغيرة البكر جائز إذا زوجها من كفء. وقال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها لتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين .
وقال ابن حجر: قال المهلب: أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها إلا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ, وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقًا أن الأب لا يزوج بنته البكر الصغيرة حتى تبلغ وتأذن.
ومن الأدلة على ذلك قوله سبحانه: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ {الطلاق:4}، وقد استدل بها الإمام البخاري في صحيحه فقال: باب إنكاح الرجل ولده الصغار؛ لقول الله تعالى: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ {الطلاق:4}، «فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ» أهـ.
ولكنهم اختلفوا في تسليمها لزوجها قبل البلوغ، فذهب الجمهور إلى أنها لا تسلم حتى تكبر وتحتمل الوطء، كما بيناه في الفتوى: 195133.
أما قول السائل: كيف يكون عليها عدة وهي لم يتم الدخول بها؟
فالجواب عنه هو: أن الدخول الذي يوجب العدة ليس هو الوطء فحسب، بل تجب العدة كذلك بمجرد اختلاء الرجل بالزوجة المطيقة للوطء عند جمهور العلماء، كما بيناه في الفتوى: 129370.
ووطء الزوجة ليس متعلقًا بالبلوغ، بل متعلق بإطاقتها للوطء، فإذا أطاقت جاز وطؤها ولو لم تبلغ، كما بيناه في الفتوى: 195133.
أمّا الصغيرة التي لا تطيق الجماع؛ فخلوة الزوج بها؛ لا توجب عليها العدة، قال الكاساني -رحمه الله- في بدائع الصنائع:
«تفسير الخلوة الصحيحة هو أن لا يكون هناك مانع من الوطء لا حقيقي ولا شرعي ولا طبعي. أما المانع الحقيقي فهو أن يكون أحدهما مريضا مرضا يمنع الجماع أو صغيرا لا يجامع مثله أو صغيرة لا يجامع مثلها أو كانت المرأة رتقاء أو قرناء. انتهى.
وجاء في تحبير المختصر وهو الشرح الوسط لبهرام: واحترز بقوله: أطاقت الوطء من الصغيرة التي لا تطيقه إذ لا عدة عليها. انتهى.
وقال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: فأما إن خلا بها، وهى صغيرة لا يمكن وطؤها، أو كان أعمى فلم يعلم بها، فلا عدة عليها، ولا يكمل صداقها؛ لأن المظنة لا تتحقق مع ظهور استحالة المسيس. انتهى.
وننبه إلى أنّ العلماء نصوا على أنه يستحب أن لا يزوج الأب الصغيرة قبل بلوغها، قال النووي -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم: اعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا يستحب أن لا يزوج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة. انتهى.
والله أعلم.