السؤال
أيها السادة: أنا باحث سنغالي يحبكم ويشيد بجهودكم المشكورة, وبخدماتكم التي تقدمونها مجانًا للمسلمين من فتاوى واستشارات ودروس وغيرها, ولكني لاحظت في فتاواكم المتعلقة بزواج الزانية أنكم تنسبون إلى المذهب المالكي جواز تزويج الحامل من الزنى بعد وضع حملها فورًا - فيما يبدو - رغم أن السادة المالكية يشترطون استبراء الحامل من الزنى بثلاث حيض بعد الوضع؛ لأنهم يفرقون بين الحمل الذي يلحق بالرجل وعكسه في هذه المسألة، فراجعوا مختصر الشيخ خليل, والفواكه الدواني, والفقه على المذاهب الأربعة, ونحوها، وقد رجعت إلى بعض المراجع التي أشرتم إليها في تلك الفتاوى فلم أجد فيها هذه المسألة بشكل دقيق, فإن كان في جعبتكم مراجع أخرى تثبت معتمد المذهب المالكي في استبراء الزانية الحامل من الزنى فزودوني بها؛ فأنا بأمسِّ الحاجة إلى جواب سريع مدجج بأدلة دامغة, ومصادر معتبرة.
جزاكم الله عنا خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر لك إعجابك بموقعنا, ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لطاعته, وأن يستعملنا في خدمة دينه ونشر دعوته, إن ربنا سبحانه قريب مجيب.
ثم إنما نسبته للمالكية من التفريق بين الحمل اللاحق والحمل غير اللاحق, وانتهاء العدة بالأول وعدم الاكتفاء بوضع الحمل في الحالة الثانية, ووجوب انتظار انتهاء العدة صحيح, ولكن هذا -كما هو واضح من كتب المالكية- في حق من عليها عدة, كمتزوجة حملت من الزنا, ثم طلقها زوجها, أو مات عنها فلا تنتهي عدتها من الطلاق أو الوفاة بمجرد وضع حملها, بل لا بد من اعتدادها بثلاثة قروء, أو أربعة أشهر وعشر إذا وضعت حملها قبل ذلك.
أما الزانية الحامل منه التي لا زوج لها فهذه لا عدة عليها أصلًا ككل زانية, وإنما يجب في حقها الاستبراء, فإذا وضعت حملها فلم تستبرئ بعد ذلك؟ ومن المعروف أن وضع الحمل أبلغ في براءة الرحم من الأقراء, ومن الزمان, ونصوص المالكية أشهر من أن تذكر في أن استبراء الحرة كعدتها في غير مسائل قليلة مستثناة مشار إليها في النظم المشهور:
الحرة استبراؤها كالعده *لا في لعان وزنا ورده
فإنها في كل ذا تستبرا * بحيضة فقط وقيت الضرا
وعدة الحامل تنتهي بوضع الحمل.
وإذا كانت الشبكة أفتت بجواز الزواج بعد وضع حمل الزانية وقبل انتهاء عدتها في الحالة الأولى ونسبت ذلك للمالكية فقد أخطأت, لكن الذي اطلعنا عليه من الفتاوى المصرحة بجواز الزواج بالزانية بوضع الحمل هو في سياق السؤال عن حكم الزواج من زانية لا عدة عليها, لا من طلاق, ولا من وفاة, فإن كنت اطلعت على فتاوى لنا مصرحة بذلك, فنرجو منك أن ترسل لنا أرقامها مشكورًا مأجورًا.
والله أعلم.