الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معصية الوالد وتقصيره في حق أولاده لا يسقط بره

السؤال

تركني أبي أنا ابنته الكبرى وإخوتي وأمي منذ عشرين عامًا, وتزوج بأخرى, ثم تركها هي الأخرى وأولادها, وترك البلد, و ذهب لبلد آخر, ونحن نعلم عنه أن سلوكه غير سوي, فكان يقول: إنه يفك العمل والربط والسحر وغيرها من الأمور التي نسمع عنها في هذه الأيام, وكان يورط نفسه في أمور أخرى مشبوهة, وقد نصحناه كثيرًا ولم يستمع النصيحة, ولم يعد بيننا وبينه أي اتصال, مع العلم أنه يصعب عليّ التحدث عنه هكذا, ولكني أريد أن أسمع فتواكم في أمره, فأنا كنت أخشى الاتصال به خوفًا من المشاكل والفضائح التي ستلحقنا إذا وصلناه, لكن يعلم الله حبي له, فقد كنت أحبه كثيرًا, ولم أنسه أبدًا, ولقد توفاه الله, ولكنه توفي مقتولًا نتيجة تورطه في إحدى المشاكل, والشبهات التي يورط نفسه بها, وهذا ما كنت أخشاه, وأنا الآن لا أكف عن البكاء عليه, وأدعو الله أن يرحمه, وسؤالي: هل أذنبت في حقه, وقصرت معه؟ وماذا عليّ أن أفعل؟ وهل في ترك أبي لنا وتخليه عن تحمل مسؤوليتنا ذنب عليه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله الرحمة لأبيكم, وأن يحسن عزاءكم فيه, وقد كان الواجب على هذا الوالد المسؤول عنه أن يعامل بنيه وزوجاته معاملة حسنة، وأن يؤدي لهم واجب النفقة والصلة امتثالًا لأمر الشارع, وتجنبًا للتقاطع والتدابر.

ومع ذلك فإن ما صدر من والدكم من تقصير في حقكم أو من مخالفات أخرى لا يسقط وجوب بره, ولا يبرر قطيعته, فالوالد يجب بره حتى ولو كان كافرًا، فقد قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}، وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان14-15}.

وأما الذي عليكم الآن فهو الترحم والاستغفار له, فقد روى أبو داود وابن ماجه وأحمد من حديث مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله, هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.

وقال صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود: الصلاة عليهما أي: الدعاء، ومنه صلاة الجنازة، قاله القارئ, وفي فتح الودود: والمراد بها الترحم, والاستغفار لهما: أي طلب المغفرة لهما، وهو تخصيص بعد التعميم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني