السؤال
الحمد لله الذي وفقنا وإياكم لموقع كبير مثل هذا, ونسأل الله أن يستمر, وأن يكون الأفضل دائمًا, وسؤالي هذه مرة بسيط، والمشكلة ليست فيه, بل أنه يلازمني أوقاتًا ويذهب عني أوقاتًا، وهذه المشكلة هي: أني – والحمد لله - اهتديت منذ فترة, وكانت تأتيني وساوس, وبفضل الله قضيت عليها، لكن بقي وسواس مزعج وهو أنني كلما أحسنت الظن بالله تأتيني أفكار سيئة: كابتلاءات الله للناس بالأمراض المميتة, وأنها شيء مخيف - نسأل الله العافية -, وأعلم أنها من قضاء الله وقدره, وأخاف أن يغضب ربي عليّ حينما أنزعج منها وأخاف, والتلذذ بحب الله يذهب وقتها؛ حيث إني لا أنام إلا حينما أفكر بالله, وأحيانًا أقول في نفسي: إنه شيطان يريد منك ألا تحب الله, وأن تفكر فيه، فكيف أتقبل الابتلاءات, وأنها شيء مقبول وإن كانت للآخرين؟ وكيف أزيد حسن ظني بالله؟ وهل حبي لله يثبت أنه يحبني؟ فأنا أطمح لحبه؛ لأنه حب صادق باق, ووجدت في حبه علاجًا لقلبي, فهو شعور رائع لا يوصف, حتى أني عندما أرى اسم الجلالة – الله - تتحرك مشاعري.
جزيتم خيرًا على جهدكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يزيدنا وإياك حبًا له، ثم اعلمي أن هذه الوساوس الشيطانية التي يريد بها الخبيث أن يحول بينك وبين الخير, ويحرمك بها لذة الإيمان والأنس بالله تعالى, تستوجب منك مجاهدتها, وعدم الاستسلام لها, والاسترسال معها، ومما يعينك على التخلص من هذه الوساوس, وتقبل جميع أقضية الرب تعالى, وإحسان الظن به سبحانه أن تعلمي أنه سبحانه حكيم يضع الأشياء في مواضعها, ويوقعها في مواقعها، فلا يقضي إلا ما فيه الخير لعباده، وقد تتصور العقول لقصورها خلاف هذا, فتكره ما فيه الخير لها, وتحب ما فيه الشر لها، والخير للعبد أن يستسلم لحكم الله, ويرضى بما يقدره ويقضيه, عالمًا أن فعل الله تعالى كله خير ورحمة وحكمة ومصلحة, كما قال هود عليه السلام: إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {هود:56}، ومما يعين على ذلك استحضار ما لحسن الظن به من الثمرة العظيمة في العاجل والآجل، قال ابن القيم - رحمه الله -: وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ، حَسَنَ الرَّجَاءِ لَهُ، صَادِقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَهُ فِيهِ الْبَتَّةَ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَ آمِلٍ، وَلَا يُضَيِّعُ عَمَلَ عَامِلٍ، وَعَبَّرَ عَنِ الثِّقَةِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِالسَّعَةِ، فَإِنَّهُ لَا أَشْرَحَ لِلصَّدْرِ، وَلَا أَوْسَعَ لَهُ بَعْدَ الْإِيمَانِ مِنْ ثِقَتِهِ بِاللَّهِ وَرَجَائِهِ لَهُ وَحُسْنِ ظَنِّهِ بِهِ. انتهى.
ومما يعين على ذلك أيضا التفكر في نعم الله سبحانه على العبد, وعظيم لطفه به وبره وإحسانه إليه، والاجتهاد في الدعاء أن يرزق الله العبد حسن الظن به, وصدق التوكل عليه، ومصاحبة الأخيار من أهل الإيمان واليقين - جعلنا الله منهم بفضله -.
وإذا أحببت الله سبحانه, واجتهدت في التقرب إليه بما أمكنك من العبادات, ففعلت الفرائض, وأكثرت من النوافل, فإنك لا تزالين كذلك حتى يحبك سبحانه وتعالى, وإذا أحبك سبحانه فلا تسألي عن الخير الذي يصيبك عندها، فإنه حينئذ يكون سمعك الذي تسمعين به, وبصرك الذي تبصرين به, ويدك التي تبطشين بها, ورجلك التي تمشين بها, فلا تستعملين عضوًا من هذه الأعضاء إلا في مراضيه سبحانه.
والله أعلم.