السؤال
تأتيني شكوك في الدين رغمًا عني, فهل أكفر؟ ولأقرب لك الصورة أقول: يأتيني مثلًا أني أدعو ولا يستجاب لي, فأصابتني عدم ثقة, فهل أكفر؟ وما الحل؟ أرجوكم أعينوني؛ لأني تأتيني شبهات, وأخاف أن أكفر بسببها رغمًا عني – أي: ليست بإرادتي – وقد تعبت من مدافعتها, والقول بأنها خطأ كذلك, فقد أصابني عدم ثقة بالله والدين, فهل أكفر؟ ومن الأسباب عدم استجابة الدعاء, وعدم الانتفاع بالتوكل والرقية.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوساوس وأحاديث النفس التي تجول في الخاطر لا يحصل بها الكفر، ولكن على العبد أن لا يسترسل مع الشيطان في هذه الأفكار، ولا يعمل, أو يتحدث بمقتضاها، ومن فضل الله تعالى ورحمته بنا أن تجاوز للإنسان عما حدثته به نفسه ما لم يعمل به, أو يتكلم كما في حديث مسلم.
وعليه: أن يحسن الظن بالله تعالى، وأن لا ييأس من الاستجابة مهما تأخرت؛ لما في حديث مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم, أو قطيعة رحم, ما لم يستعجل، قيل: وما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت, فلم أر يستجاب لي, فيستحسر عند ذلك, ويدع الدعاء.
وعليه: أن يعلم أن استجابة الدعاء لا تقتصر على نيل المراد, بل قد يدخر الله لعبده في الآخرة خيرًا مما أراد, وقد يدفع عنه الشر والبلاء بذلك، ففي الحديث: ما على الأرض مسلم يدعو بدعوة إلا آتاه الله إياها, أو صرف عنه من السوء مثلها, ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه الترمذي, وفي رواية لأحمد: ما من مسلم يدعو بدعوة - ليس فيها إثم, ولا قطيعة رحم - إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته, وإما أن يدخرها له في الآخرة, وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها.
وعليه: أن يسعى في اكتساب صفات المؤمنين كلها - ولا سيما التوكل, والثقة بالله, واليقين به - فالتوكل على الله من أعظم العبادات, ومن أنفع الأسباب, وهو ينبع من الثقة بالله، والثقة بالله تنبع من التعرف على الله، فمن عرف الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله فسوف يفضي ذلك - لا محالة - إلى محبته وتعظيمه والثقة به، قال المقدسي: فالتوكل عبارة عن اعتماد القلب على الموكل، ولا يتوكل الإنسان على غيره إلا إذا اعتقد فيه أشياء: الشفقة، والقوة، والهداية, فإذا عرفت هذا فقس عليه التوكل على الله سبحانه، وإذا ثبت في نفسك أنه لا فاعل سواه, واعتقدت مع ذلك أنه تام العلم والقدرة والرحمة، وأنه ليس وراء قدرته قدرة، ولا وراء علمه علم، ولا وراء رحمته رحمة، اتكل قلبك عليه وحده - لا محالة - ولم يلتفت إلى غيره بوجه.. اهـ
والله أعلم.