الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تحلل المعلم من حقوق الطلاب

السؤال

أنا أعمل بالتدريس وأخاف أن أكون قد ظلمت تلاميذي - سواء بالتقصير في الشرح والتصحيح, أو الضرب, أو الصراخ في وجوههم وإهانتهم في بعض الأحيان - ولا يمكنني ترك العمل؛ لأنه يكاد يكون مستحيلًا إيجاد من يعوضني في هذا الوقت, وبذلك سيتضررون أكثر, فهل لي من توبة؟ وكيف تكون؟ أيغفر الله لي إن كنت قصرت في بذل الجهد في ما مضى خطأ أو عجزًا أو عمدًا, وعزمت على إصلاح ما أستطيع مستقبلًا؟ وكيف التحلل من حقوق هؤلاء الأطفال؟ وإن لم أستطع التحلل منها في الدنيا مع توبتي أيقبلها الله مني؟ حيث إنني في حال صعبة جدًّا, وأحس أن العبادة لا تقبل مني لكل الشر الذي بداخلي, وأنني تحملت وزرًا كبيرًا, وسيلقيني الله في النار - عياذًا بالله -.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يعينك على الهدى والرشاد, ويسدد خطاك في طريق الخير والتوبة, ونفيدك أن الله تعالى تواب رحيم, يقبل التوبة من عباده مهما بلغت ذنوبهم، ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو تبلغ الروح الحلقوم، وقد وعد سبحانه وتعالى بالرحمة والغفران من تاب واستغفر بعد الذنب، فقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {الأنعام:54} وقال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:110}. وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} وقال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا. رواه مسلم. وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ. رواه الترمذي وحسنه, وابن ماجه وأحمد, وحسنه الألباني.

ونخشى أن يكون ما بك من حال الآن هو نوع من الوسوسة, وتأنيب الضمير في غير وجهه, فكونك تخافين من التقصير مع الطلاب لا يستلزم أنك قد أذنبت في حقهم.

وإن كنت أذنبت فعلًا فهذا لا يمنع قبول الأعمال الصالحة, وإنما يلزمك التوبة إلى الله تعالى من الذنب الذي فعلتِه عمدًا.

وما عدا ذلك من الخطأ أو العجز غير المقدور عليه فإن الله يغفره للعبد، ففي الحديث عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وغيره.

والتوبة الصادقة لا بد فيها من: الإقلاع عن الذنب, والندم عليه, والعزم على عدم العودة إليه, مع رد المظالم إلى أصحابها, أو استحلالهم منها - إن أمكن - وهؤلاء الطلاب يشرع التحلل منهم ومن الإدارة تحللًا عامًا عند السفر في إجازة, او انتهاء فصل دراسي, والاستحلال العام يكفي - إن شاء الله - فقد ذكر الفقهاء أن التحلل من حقوق العباد، يختلف الحكم فيه بين ما إذا كان هذا الحق مالًا، فيجب رده واستحلاله منه، وبين ما إذا كان في غير ذلك، وخشي أن يترتب ضرر أكبر في إخباره، فيكتفي بالدعاء له, والاستسماح العام.

وليس عليك أن تخرجي من التدريس, وإنما عليك أن تحسني فيما بقي, وأخلصي العمل لله, وعاملي الطلاب بالرحمة والشفقة, مع جواز التأديب لهم بما هو معروف في عرف المدارس وفي حدود الشرع, وما يجوز لمعلمي الأطفال أن يفعلوه, وأكثري من الدعاء لله بأن يغفر لك ولمن أسأت إليه, مع تحذيرنا لك من الوقوع في الوسوسة, أو الاسترسال فيها, وللفائدة انظري فتويينا: 99131. 39948. وما فيهما من إحالة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني