السؤال
أرجو منكم - عافاني الله وإياكم وجميع المسلمين - الدعاء لي بالشفاء من الوسوسة، أحسن الله إليكم.
يأتي الشيطان: الحديث المتواتر !! ماذا لو لبس الشيطان بعض الصحابة وفقدوا عقولهم، وأخبر وهو في جسدهم حديثا غير صحيح، وتمثل بشكل صحابة آخرين وأخبر به حتى وصل التواتر ؟
أو بالأحرى ماذا لو تمثل الشيطان بشكل النبي - صلى الله عليه و سلم - وأخبر حديثا للصحابة ووصل حد التواتر ؟
أرجو إزالة الشبهة عني.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيك ويشرح صدرك، وأن يقيك شر نفسك، وشر الشيطان وشركه ووسوسته.
واعلم أن الشيطان لا يتمثل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان لا يتمثل بي. رواه البخاري ومسلم.
جاء في شرح مسلم للنووي: ..وكما اسْتَحَالَ أن يتَصَوَّر الشَّيْطَان فِي صورته فِي الْيَقَظَة، إِذْ لَو وَقع لاشتبه الْحق بِالْبَاطِلِ، وَلم يؤثق بما جاء من جِهَة النُّبُوَّة مُخَالفَة من هَذَا التَّصَوُّر، فحماها الله من الشَّيْطَان ونزغه ووسوسته، وإلقائه وكيده على الْأَنْبِيَاء. اهـ
وأما عن الصحابة فلا تتعب نفسك في تصور وافتراض حالة ما لو لبس الشيطان بعضهم، فإن عهد الصحابة قد انتهى ومضت قرون بعدهم، ولم يعلم فيها حسب اطلاعنا أنه اتهم أحدهم بأن الشيطان تكلم على لسانه فيما يرويه على أنه حديث، بل قد أجمع علماء السلف من المحدثين على قبول رواية الصحابة رضي الله عنهم.
فقد أسند ابن عبد البر في جامع بيان العلم عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنه قال: من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم. اهـ .
وقال الحافظ ابن كثير: والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة؛ لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم. اهـ.
و قال ابن عبد البر رحمه الله –كما في الاستيعاب-: قد كفينا البحث عن أحوالهم؛ لإجماع أهل الحق من المسلمين، وهم أهل السنة والجماعة، على أنهم كلهم عدول.
وقال ابن الصلاح في مقدمته: ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتنة منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحسانًا للظنِّ بهم، ونظرًا إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة. انتهى.
وقال الإمام الذهبي: فأما الصحابة رضي الله عنهم فبساطهم مطوي، وإن جرى ما جرى... إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوه العمل، وبه ندين الله تعالى. اهـ.
فاتق الله في نفسك، وابتعد عن إيراد الشبه على قلبك، فقد قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: وقال لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه، وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد-: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها، صار مقرا للشبهات ـ أو كما قال ـ فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك، وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل. انتهى.
فعليك أن تجاهد نفسك بقطع هذه الأفكار والوساوس عنك، ولا تجعل للشيطان عليك سبيلا؛ فإن الوسوسة مرض شديد، وداء عضال، والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك، فلا تمكن الشيطان من أن يبذر في قلبك بذور الشر والشك، وعليك بالإعراض عن كل ما كان من قبيل الوسوسة، فإن الاسترسال مع الوساوس يجرك إلى شر عظيم.
فقد سئل ابن حجر الهيتمي عن داء الوسوسة، هل له دواء؟ فأجاب بقوله: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان؛ فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها... فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته، واعلم أن من حرمه فقد حرم الخير كله؛ لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة، ونكد العيش، وظلمة النفس وضجرها إلى أن يخرجه من الإسلام وهو لا يشعر (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)... وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا: دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني، وأن إبليس هو الذي أورده عليه، وأنه يقاتله، فيكون له ثواب المجاهد؛ لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فر عنه. انتهى.
وراجع للأهمية في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 60628، 3086، 134765 ، 70476.
والله أعلم.