السؤال
لا أتحمل الصوت الصادر من الشخص الذي يصلي أمامي عند قراءته سواء للقرآن، أو للأذكار، خاصة إن كنت أنا أيضا أصلي، فقد لا أتمكن من التركيز في صلاتي، أو إكمال السورة.
فهل يجوز لي أن أطلب منه خفض صوته حتى لا أسمعه، وإن رفض ما هو حكمه ؟
شكرا. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإذا كنت لا تصلين في الوقت الذي يصلي فيه ذلك الشخص ويجهر بقراءته، ولم تكوني مشغولة بأمر أو عبادة من العبادات، فالأفضل لك أن تستمعي لقراءته؛ لعل الله تعالى أن يرحمك، وقد قال تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الأعراف: 204}.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الأمر بالإنصات عام وليس خاصا بقراءة الإمام.
قال الشوكاني في فتح القدير: ولا يخفاك أن اللفظ أوسع من هذا، والعام لا يقصر على سببه، فيكون الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في كل حالة، وعلى أيّ صفة مما يجب على السامع. اهــ.
فاجتهدي في الإنصات, وإذا كنت لا تتحملين سماع القرآن أو الذكر على كل حال، ولو لم تكوني مشغولة بأمر ما، فإن هذا أمر ليس طبيعيا؛ إذ المسلم لا يتأذى بسماع القرآن وذكر الله تعالى، بل يأنس بذلك إلا أن يكون مصابا بمس أو نحوه، مما يتسلط به الشيطان عليه، فينفره عن سماع القرآن, ومن كان حاله هذا فليجتهد في طلب العلاج.
وإن كنت مشتغلة في ذلك الوقت بعبادة من العبادات، فلا حرج عليك في أن تطلبي من ذلك الشخص أن يخفض من صوته قليلا بالقدر الذي تحصل به سنة الجهر في الصلاة ولا يحصل به تشويش عليك. وقد روى أبو داوود في سننه، وأحمد في مسنده من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري- رضي الله عنه- قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ، أَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ. اهــ .
وإن أصر على الجهر الذي يحصل به التشويش، فالذي يظهر من كلام الفقهاء أنه لا يأثم بذلك؛ لأنهم قالوا إن الإسرار أفضل إذا كان بقربه من يتأذى بالجهر, فلو كان واجبا عليه الإسرار لما قالوا أفضل.
جاء في كشاف القناع: وَالْمُتَطَوِّعُ لَيْلًا يُرَاعِي الْمَصْلَحَةَ، فَإِنْ كَانَ الْجَهْرُ أَنْشَطَ فِي الْقِرَاءَةِ، أَوْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ، أَوْ يَنْتَفِعُ بِهَا، فَالْجَهْرُ أَفْضَلُ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْمَصَالِحِ، وَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ مَنْ يَتَهَجَّدُ، أَوْ يَسْتَضِرُّ بِرَفْعِ صَوْتِهِ مِنْ نَائِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ خَافَ رِيَاءً، فَالْإِسْرَارُ أَفْضَلُ دَفْعًا لِتِلْكَ الْمَفْسَدَةِ. اهــ.
والله تعالى أعلم