السؤال
أديت العمرة عدة مرات, وكنت في تلك الفترة أجهل وجوب الغسل من فعل معين, فأخذت برأي الحنفية بصحة الطواف مع ذبح بدنة للجنب, ولكن ما البديل لمن لا يستطيع الذبح؟ وهل عليّ كفارة عن كل عمرة أم عن كلهن كفارة واحدة؟ فأنا لا أتذكر عددهن, وهل يجوز الأخذ برأي سنة الطهارة للطواف؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلماء لهم في الطهارة للطواف ثلاثة مذاهب معروفة، فمذهب الجمهور أنها شرط لصحته، ومذهب الحنفية ورواية عن أحمد أنها واجب يجبر تركها بدم، وقال بعض الحنفية: بل هي سنة لا شيء في تركها، قال ابن قدامة: الطَّهَارَة مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَاسَةِ وَالسِّتَارَة شَرَائِطُ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ، فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ, وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ, وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا، فَمَتَى طَافَ لِلزِّيَارَةِ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ أَعَادَ مَا كَانَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ، جَبَرَهُ بِدَمٍ, وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ النَّجَسِ وَالسِّتَارَةِ, وَعَنْهُ، فِي مَنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ، وَهُوَ نَاسٍ لِلطَّهَارَةِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ, وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ شَرْطًا, وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَاجِبٌ, وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ لِلْحَجِّ؛ فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ الطَّهَارَةُ، كَالْوُقُوفِ. انتهى.
فعلى القول بالوجوب دون الشرطية فتارك الطهارة يلزمه دم - كتارك أي واجب من واجبات النسك - فإن عجز عنه فعليه صيام عشرة أيام قياسًا على العاجز عن دم التمتع، قال الموفق في المغني: كُلُّ دَمٍ وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ، كَدَمِ الْقِرَانِ، وَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَالرَّمْيِ، وَالْمَبِيتِ لَيَالِي مِنًى بِهَا، وَطَوَافِ الْوَدَاعِ، فَالْوَاجِبُ فِيهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ. انتهى.
فإذا علمت هذا, وعلمت أنه يلزمك - على القول بوجوب الطهارة - دم عن كل نسك طفت له غير طاهرة, فإن عجزت فصيام عشرة أيام عن كل نسك منها، فإن مذهب الحنفية أن الواجب على من طاف جنبًا أو حائضًا ذبح بدنة، فإن طاف محدثًا حدثًا أصغر فعليه شاة، قال في البحر الرائق: وَإِنَّمَا لَزِمَتْ الْبَدَنَةُ فِيمَا إذَا طَافَ جُنُبًا؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ, وَيَلْحَقُ بِهِ مَا إذَا طَافَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ. انتهى.
فإذا تبين لك هذا: فإنك إن لم تعرفي عدد تلك الأنساك تتحرين, فتفدين بما يحصل لك معه اليقين أو غلبة الظن ببراءة ذمتك؛ لأن هذا هو ما تقدرين عليه, والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
وأما على القول بسنية الطهارة للطواف: فلا شيء عليك.
والواجب عليك إذا كنت عامية لا تستطيعين الترجيح بين الأقوال أن تقلدي من تثقين به من أهل العلم، ولا تتخيري من بين الأقوال ما يوافق هواك، وانظري لبيان ما يفعله العامي إذا اختلفت عليه أقوال العلماء فتوانا رقم: 120640.
والله أعلم.