السؤال
أنا مشتركة في مجموعة بالفيس بوك، ومرة نشرت صورة تقول تنبهي أختاه إن كانت صورة بروفايلك تحوي نساء، فردت علي إحداهن فقالت لي لماذا؟ فقلت: بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ـ صدق الله العظيم {سورة النور الآية: 19} فقالت لي عن أي فاحشة تتحدثين؟ فقلت لها عندما تنشري صورة نساء تكون هناك فاحشة زنا العين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه، رواه البخاري ومسلم، فهل كان فعلي صحيحا؟ وهل أخطأت في تفسير الآية والحديث؟ وهل يصلحا أن يكونا شاهدين لمثل تلك المواقف؟ وإن قالت لي من الحديث أستنتج أنه ليس بحرام وأنه كتب علي لا محالة، فبماذا أرد عليها؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك مصيبة ـ إن شاء الله تعالى ـ في استدلالك بالآية والحديث على حرمة وضع صور النساء في مواقع التواصل الاجتماعي التي يدخلها الرجال، وانظري الفتويين رقم: 136196، ورقم: 33250.
هذا وليس ِلأحد أن يسوِّغ وضع صور النساء على تلك المواقع ليراها الرجال بحجة أن الله تعالى قد كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، فهذا مع ما فيه من إشاعة للفاحشة، فإنه من باب الاحتجاج الباطل بالقدر، فإن الله مع مشيئته الكونية أن يُدرِكَ بنو آدم نصيبهم من الزنا، إلا أنه حرَّمه عليهم، وشرع لهم التدابير الواقية منه، وأوجب عليهم التزامها، ومن ذلك أمره إياهم بغض البصر، فبالشرع يُدافع القدر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى له: وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْحَقِيقَةَ الْكَوْنِيَّةَ وَهِيَ رُبُوبِيَّتُهُ تَعَالَى لِكُلِّ شَيْءٍ وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ اتِّبَاعِ أَمْرِهِ الدِّينِيِّ الشَّرْعِيِّ عَلَى مَرَاتِبَ فِي الضَّلَالِ، فَغُلَاتُهُمْ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ مُطْلَقًا عَامًّا فَيَحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ فِي كُلِّ مَا يُخَالِفُونَ فِيهِ الشَّرِيعَةَ، وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ، وَقَالُوا: لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ـ وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَعْظَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ تَنَاقُضًا، بَلْ كُلُّ مَنْ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ فَإِنَّهُ مُتَنَاقِضٌ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقِرَّ كُلُّ آدَمِيٍّ عَلَى مَا فَعَلَ، فَلَا بُدَّ إذَا ظَلَمَهُ ظَالِمٌ أَوْ ظَلَمَ النَّاسَ ظَالِمٌ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَأَخَذَ يَسْفِكُ دِمَاءَ النَّاسِ وَيَسْتَحِلُّ الْفُرُوجَ وَيُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ الَّتِي لَا قِوَامَ لِلنَّاسِ بِهَا أَنْ يَدْفَعَ هَذَا الْقَدَرَ، وَأَنْ يُعَاقِبَ الظَّالِمَ بِمَا يَكُفُّ عُدْوَانَ أَمْثَالِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: إنْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً فَدَعْ كُلَّ أَحَدٍ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ بِكَ وَبِغَيْرِكَ! وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً بَطَلَ أَصْلُ قَوْلِكَ: حُجَّةٌ، وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِينَ يَحْتَجُّونَ بِالْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ لَا يَطْرُدُونَ هَذَا الْقَوْلَ وَلَا يَلْتَزِمُونَهُ، وَإِنَّمَا هُمْ بِحَسَبِ آرَائِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، كَمَا قَالَ فِيهِمْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَنْتَ عِنْدَ الطَّاعَةِ قَدَرِيٌّ وَعِنْدَ الْمَعْصِيَةِ جَبْرِيٌّ، أَيُّ مَذْهَبٍ وَافَقَ هَوَاكَ تَمَذْهَبْتَ بِهِ!. اهـ.
وانظري الفتويين رقم: 49314، ورقم: 68606.
ولمزيد فائدة انظري الفتوى رقم: 52925.
والله أعلم.