الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تضييع ساعات العمل بون إنجاز عند غير المسلم

السؤال

رجل يعمل عند اليهود في العمل المباح في بناء الورش والمقاولات، ويغيب عنه المسؤول لفترات طويلة يستطيع من خلالها الجلوس في العمل، فهل يحل له الجلوس وترك العمل ولا يكون هناك إنجاز، بحجة أن العمل لليهود؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد بينا حكم العمل عند غير المسلم في الفتوى رقم: 190209، واشترطنا فيها ألا يكون العمل يتضمن إعانة للغاصب على ما غصبه من أرض المسلمين ونحو ذلك مما فيه إعانة له على ظلمه، أويتضمن إهانة للمسلم وإذلاله، فإن كان العقد معه يتضمن شيئا من ذلك فلا يجوز، وانظر الفتويين رقم: 32649، ورقم: 5270.

وأما لو كان العمل مع الكافر فيما يجوز العمل فيه ودخل معه المسلم في عقد إجارة ونحوه حيث يأمنه الكافر على ماله فتحرم خيانته، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك. رواه الترمذي.

وفي الموطأ عن مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة يخرص بينه وبين يهود خيبر، قال: فجمعوا له حليا من حلي نسائهم، فقالوا: هذا لك وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة: يا معشر اليهود، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذلك بحاملي على أن أحيف عليكم، فأما ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت، وإنا لا نأكلها، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض.

وفي صحيح البخاري: أن المغيرة بن شعبة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء.

قال الحافظ في الفتح: أي لا أتعرض له، لكونه أخذه غدرا، ويستفاد منه أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدرا... اهـ

وقال المناوي في فيض القدير: وأموال المشركين وإن كانت مغنومة عند القهر فلا يحل أخذها عند الأمن.

والأصل في المسلم كونه يمثل الإسلام في معاملاته وأخلاقه، وكثير من البلاد الإسلامية إنما فتحت بالأخلاق وحسن المعاملة التي أظهرها التجار المسلمون لما دخلوا تلك البلاد، وغش الكافر في التجارة من المسلم وأكل ماله بالباطل من أسباب صده عن سبيل الله وتشويه للدين الحنيف، وتنفير عن الدخول فيه، وقد أشار الحافظ ابن كثير إلى دقيقة حسنة في تفسير قوله تعالى: وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل:94}.

فقال ـ رحمه الله ـ ما عبارته: ثم حذر تعالى عباده عن اتخاذ الأيمان دخلا ـ أي خديعة ومكراً ـ لئلا تزل قدم بعد ثبوتها: مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها وزل عن طريق الهدى، بسبب الأيمان الحانثة المشتملة على الصد عن سبيل الله، لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به، لم يبق له وثوق بالدين، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام، ولهذا قال: وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني