الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاقتصاد في أمر الدين والدنيا

السؤال

لا أحب أن أقصر الإسلام على الصلاة فقط، أنا مع شمولية الإسلام، وتكون كل حياتي طاعة لله، فمثلا صليت وأرسلتني أمي لأقضي حاجتها من طلبات ففعلت، ألا يجزيني الله على ذلك؟ أريد كل حياتي لله جدي ولعبي وهزلي، صليت الظهر وكنت متعبا فأحبت أن أنام اقتداء بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ألا أجزى على ذلك؟ أم هذا يعتبر تضيعا للوقت ويشغلني عن الطاعة؟ لأنه قيل لي في إحدى الفتاوى: ويبقى التنبيه على أنه يستحب للمسلم أن يستغل وقته في طاعة الله وفيما ينفعه، وأن لا يجعل ديدنه اللهو بالمباحات لحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله تعالى فيه، ولم يصلوا على نبيهم فيه، إلا كان عليهم ترة ـ أي حسرة وندامة ـ فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم ـ قال الترمذي: حديث حسن، ولقوله تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ـ أي: إذا تفرغت من أشغالك، ولم يبق في قلبك ما يعوقه، فاجتهد في العبادة والدعاء، فهل الطاعة صلاة فقط؟ ألست عندما أذاكر أرضي الله وآخذ ثوابا؟ حضراتكم قلتم يجب ألا أكثر من المباحات مثل الجلوس أمام الكمبيوتر، ألا يمكن أن أجلس أمام الكمبيوتر لأرفه عن نفسي لكي أقبل على طاعة الله بشوق؟ أليس من الممكن أن أجلس بعد الانتهاء من الصلاة على الكمبيوتر في المنتديات التعليمية فنتائج الامتحانات تكون على النت وفيه ناس سرعة النت عندهم ضعيفة والضغط على مواقع النت كبير وعندي سرعة النت عالية فأقوم بجلب النتائج للناس ألا أجزى على ذلك؟ فكرت في افتتاح منتدى دعوي وتعليمي لكي أقوم بمساعدة الناس وعمل المذكرات للناس ونشر الامتحانات وأعتبره نوعا من أنواع الطاعة، قد يكون ما ذكرته من أوجه الطاعة ولكن هناك أولويات، فمثلا النوم بعد الظهر سنة عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولكن إن نمت ولم أصل العصر فلن أجزى على ذلك، بل قد أكون مذنبا ذنبا عظيما، وإن جلست على المنتدى الدعوي وأمي تنادي فقلت أنا أطيع الله، فالمنتدى أهم من أمي، فبذلك أنا مذنب ولا أخذ أي ثواب، قد ألعب الكرة لتقوية الجسم فآخذ الثواب ولكن ماذا إن لعبت الكرة ونمت بعدها عن الصلاة؟ فأكون مذنبا، قد أقف في الشارع وأجلس مع العائلة لأتكلم فذلك لا يغضب الله وقد يجزيني الله الثواب، ولكن قد أصبح مذنبا إن تكلمت بما لا يرضي الله، علما بأنني في السادسة عشرة من العمر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فشكر الله تعالى لك ما أنت عليه من الحرص على الاستكثار من الخير، ونسأله سبحانه أن يتقبل منك صالح العمل، وأن يرزقك الاستقامة على الطاعة؛ إنه سبحانه ولي مجيب، أما بخصوص ما عددته في سؤالك من جزئيات: فلا يتسع المقام لتتبعها، ولكن نبين لك ضوابط في الجواب عامة نكتفي بها، وذلك كالتالي:

1ـ يسع المسلم أن يجعل كل حركاته وسكناته في سائر مناحي حياته طاعة وقربة إلى الله تعالى: وطريق ذلك أن يستحضر النية الصالحة في كل شيء، ولا يحتقر من العمل صغيرة ولا كبيرة، ففي أكله وشربه ينوي تحصيل القوة على الطاعة، وفي لبسه ينوي ستر عورته عن الناس، وفي ترويحه عن نفسه ينوي تحصيل النشاط في الطاعة، وفي عمله ينوي إغناء نفسه عن الناس والصدقة على المحتاجين وهلمّ جرا، وراجع للمزيد الفتوى رقم: 157449.

2ـ على المسلم أن يقتصد في أمر دينه ودنياه فلا يفرط إفراطا يحمله على الملل ولا يفرّط تفريطا يؤدي به إلى الخلل، ففي باب العبادة يتعبد ما نشطت نفسه إلى ذلك، فإذا أحس الملل فليسترح، وفي باب الترفيه والراحة يكتفي بما تستجمّ به نفسه وتستعيد نشاطها فيقتصد في هذا وفي ذلك، فلا يجاوز الحد في شيء منه، وراجع في هذا المعنى الفتوى رقم: 132744، وما فيها من إحالة.

3ـ لا بأس بافتتاح هذا المنتدى من أجل الدعوة وتعليم الناس، بل في ذلك الخير الكثير، فتعليم الناس ونفعهم من أرجى أنواع البر، لكن إذا دعتك أمك أو أمرتك بشيء فقدمها وآثرها على ما سواها، لأن طاعة الأبوين مقدمة على نوافل الأعمال، وراجع الفتوى رقم: 9210.

4ـ ما ذكرت من النوم عن الصلاة بسبب الكرة أو نوم الظهيرة: نرى فيه نوعا من الوسواس وشائبة من التنطع، فالأمر في هذا هين ميسور إذا لعبت الكرة فلا تجهد نفسك فيها حتى تنام لذلك عن الصلاة، وإذا نمت الظهيرة فاتخذ وسيلة تنبيه توقظك وإذا غلبتك عينك دون قصد فلا شيء عليك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني