الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يريد التمسك بالدين وأهله يريدون إبعاده عنه

السؤال

أنا أخوكم في الله من تونس، عمري 19 سنة. توفي والدي منذ سنتين (2011) وأنا الولد الوحيد، ولي أختان، أخت أكبر مني بسنة (20 سنة) وأخت أصغر مني بخمس سنوات (14 سنة) وأمي.
في تونس توجد صحوة إسلامية والحمد لله؛ لذلك وجدت مشاكل كبيرة من طرف عائلتي(عندي 6 أعمام و3 أخوال، مع العلم أنهم لا يصلون، وفكرهم علماني، وهم من الطبقة المترفة). واجهت الكثير من المشاكل من قبيل: احلق لحيتك، لا ترفع إزارك، لا تبق في المسجد، صل وعد إلى المنزل. أمي تعاني من الإسلاموفوبيا جراء 55 سنة من محاربة الإسلام وتشويهه، وهي متعلقة بي كثيرا، وتخاف كثيرا بعد أن أخذت الباكالوريا (26 جوان 2012) درست في تونس إلى أن اقترح خالي على أمي أن أذهب للدراسة في ألمانيا ( في29 أكتوبر2012) ومن الأسباب التى جعلتهم يقدمون على هذا الاقتراح أنهم يريدون إبعادي عن الإخوة في الله، وأيضا لأن لي أصدقاء في ألمانيا يدرسون هناك، فوافقت وأنا والله نادم، ومن الأسباب التي جعلتني أوافق أنني سأبتعد عن المشاكل، وأجد راحتي ويمكن أن آتي بعلم أنفع به بلدي.
لذلك يوم (02 فيفري 2013) ذهبت إلى ألمانيا وتحديدا فرانكفوت، مع العلم أن تكلفة السفر والدراسة والمصاريف بلغت 14000 أورو بقي لي منهم 7000 أورو. إن الفتن هنا كثيرة، ولا أحس براحة نفسية، وأقطن مع شباب تونسيين لا يصلون، وكل جمعة وسبت يشربون الخمر؛ لذلك أبقى طوال الوقت في غرفتي، وعندما يحين وقت الصلاة أذهب للمسجد، وأريد أن أعود إلى تونس، ولكني أخاف من ردة فعل أمي، وباقي أفراد عائلتي (أعمامي، وأخوالي يتحكمون في أمي، مع العلم أن أمي نفسيا ضعيفة، وإيمانيا أيضا، أثر فكر عائلتي(العلماني) عليها لكن أمي والحمد لله تصلي) وأيضا لقد دفعت مصاريف كثيرة ما يقارب 7000 أورو. وأنا في الحقيقة لم أعد أريد العلوم الدنيوية، أريد طلب العلم الشرعي والبقاء في بلدي.
فأرجوكم ساعدوني وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنشكرك أولا على حرصك على الاستقامة على طاعة الله تعالى، ولا شك في أن هذا سبيل النجاة بإذن رب الأرض والسماء، وهو مما لا يجوز أن يجامل المسلم فيه أحدا، قال تعالى: وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ {الشورى:15}، وروى الترمذي عن عائشة- رضي الله عنها- أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضاء الله بسخط الناس، كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله، وكله الله إلى الناس. والحديث صححه الألباني.

فنوصيك بالثبات على هذا الطريق، ولا تلتفت إلى إرجاف أي مرجف.

ونشكرك ثانيا على حرصك على البر بأمك، ولا شك في أن هذا من أجل الطاعات وأعظم القربات، وباب إلى دخول الجنات، كما جاء في حديث معاوية بن جاهمة أنه جاء يستأذن رسول الله صلى الله عله وسلم فسأله: أحية أمك؟ قال: نعم، قال: ويحك الزم رجلها. فثم الجنة. والحديث رواه ابن ماجه، وصححه الألباني؛ ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 55048.

ومن هنا فإن مما نرشدك إليه أن تبحث عن سبيل يمكنك من خلاله الجمع بين بر أمك بإكمال الدراسة، وحفظ نفسك من الفتنة وأسبابها، بأن تسعى في الزواج من امرأة مسلمة، صالحة، تعينك في أمر دينك ودنياك، ومن سعى في الزواج بنية العفاف أعانه الله، قال الله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32}، وفي سنن الترمذي وسنن النسائي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف.

فإذا تيسر لك الزواج، فبها ونعمت. وإن لم يتيسر لك، وخشيت على نفسك الفتنة، وجبت عليك الهجرة إلى بلد تأمن فيه على نفسك سواء بلدك أو غيره، ويمكنك أن تبحث هنا عن بلد مسلم تتمكن فيه من إكمال دراستك بعيدا عن أهلك ومضايقاتهم لك.

وفي الختام نوصيك بكثرة الدعاء، فهو من أفضل ما تقضى به الحاجات، وتدفع به الكربات، والله تعالى خير مسؤول، وخير مجيب، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.

واحرص على كل ما يمكن أن يجعل أمك في طمأنينة بسلوك سبيل الاعتدال في التدين، فلا إفراط ولا تفريط. وراجع الفتوى رقم: 39427 ، والفتوى رقم: 25338 ، والفتوى رقم: 134119.
وعليك أن تتواصل مع قسم الاستشارات في موقعنا، ففيه محور خاص بالشباب ومحاولة حل مشاكلهم، وذلك على الرابط التالي: http://consult.islamweb.net/consult/index.php .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني