الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كل من عصى الله خطأ أو عمدأ فهو جاهل

السؤال

أريد أن أسألكم عن المقصود الحقيقي ‏من الآية: إنما التوبة على الله للذين ‏يعملون السوء بجهالة. ‏
أي هل الذي يخطط مع فتاة، ويذهب ‏معها إلى مكان ما، ليقوم معها ‏بفاحشة الزنا، وهو يدري أن الزنا من ‏الكبائر ومحرم، لا تقبل توبته حتى ‏وإن حقق شروط التوبة، وخاصة ‏الندم أم إن الجهالة المقصود بها أن ‏المعصية تكون مفاجئة، أي أنك في ‏غرفة في أحد الفنادق، فجأة تدخل ‏عليك فتاة، وتقوم بالزنا وأنت لم ‏تخطط ؟
أم إني مخطئ وللعلم إنه نادرا ما ‏تكون فاحشة الزنا مفاجئة، ففاعلها ‏يجب أن يخطط ليصل إلى مبتغاه ‏وتحقيق شهوته، إلى أن يهديه الله. ‏
فمعظم الذنوب تأتي بالتخطيط، ‏فشارب الخمر يخطط لشرب الخمر، ‏ويبحث للذهاب إلى الأماكن ‏المخصصة لذلك.....الخ , ‏
وأنا أسمع العديد من الناس يذهبون ‏إلى أوروبا بقصد اللهو والمرح، ‏والفواحش, ثم يتوبون.‏
‏ فهل توبتهم غير مقبولة لأنهم فعلوا ‏الفواحش بالتخطيط؟ ‏
وما مصير من زنا أو فعل معصية ‏بدون جهالة ؟ هل توبته غير مقبولة ‏؟ وما معنى بدون جهالة؟ وهل من ‏خطط لتحقيق شهوته ثم بعد تحقيق ‏مراده يندم مباشرة هو سوء بجهالة أم ‏غير جهالة؟ ‏
وهل الندم الشديد بعد الزنا أو أي ‏كبيرة حتى وإن خطط لذلك يكون هنا ‏السوء بجهالة يعني وجود ندم؟
للعلم فإن سؤالي هذا استنتجته حين ‏سماعي لمقطع للشيخ الشعراوي, ‏هذا هو رابط الفيديو 2 دقيقة
http://www.youtube.com/‎watch?v=Yi6RnTCdZwY
أو رابط كامل 12 دقيقة:‏
http://www.youtube.com/‎watch?v=ceiWtJVaIXo
وأرجو منكم أن توضحوا لي كلام ‏الشيخ الشعراوي، وأستغفر الله إن ‏كنت فهمت مقصوده خطأ، حيث إنه ‏سبق لي أن تبت توبة نصوحة جدا ‏من أحد الذنوب، حيث إني سترت ‏نفسي وندمت ندما شديدا بعد الذنب ‏مباشرة، وهو أني كنت أذهب مع ‏صديقتي للتنزه، وكنت دائما أرغب ‏في تلبية رغبتي ولكن أتمالك نفسي ‏إلى أن فعلتها، ولكن بعدما فعلتها ‏ندمت ندما لم أندمه في حياتي، بكيت ‏ليلا نهارا حتى شعرت أنني سأنهار ‏عصبيا من شدة الخوف إلى أن ‏تراسلت معكم، فكانت إجابتكم لي هي ‏شفائي، والحمد لله استقمت وتوقفت ‏حتى عن الكلام مع أي فتاة, والآن ‏أصابني وسواس حين سماعي لهذا ‏المقطع. هل أصبت السوء بجهالة أم ‏لا؟ ‏
أشكركم على الجهد المبذول المقدم ‏من طرفكم للسهر على مساعدة ‏المسلمين في جميع أنحاء ألعالم، وأنا ‏شخصيا قمتم بمساعدتي في إجابتكم ‏على أسئلتي، والله شفيت نفسيا.‏
أنتظر ردكم بفارغ الصبر .‏

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي يقرره أهل العلم في تفسير هذه الآية هو أن كل من عصى الله فهو جاهل، وكل من تاب قبل الموت، فقد تاب من قريب.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يقول سبحانه وتعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ التَّوْبَةَ مِمَّنْ عَمِلَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُ وَلَوْ قَبْلَ مُعَايَنَةِ الْمَلَكِ لقبض رُوحِهِ قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: كُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، فَهُوَ جَاهِلٌ حَتَّى يَنْزِعَ عَنِ الذَّنْبِ، وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقُولُونَ: كُلُّ ذَنْبٍ أَصَابَهُ عَبْدٌ فهو جهالة، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَوْا أَنَّ كل شيء عصي الله بِهِ، فَهُوَ جَهَالَةٌ عَمْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُلُّ عَامِلٍ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ جَاهِلٌ حِينَ عَمِلَهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، نَحْوَهُ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ جَهَالَتِهِ عَمِلَ السُّوءَ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ: مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَا كَانَ دُونَ الْمَوْتِ فَهُوَ قَرِيبٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: مَا دَامَ فِي صِحَّتِهِ، وَهُوَ مُرْوِيٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، مَا لَمْ يُغَرْغِرْ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الدُّنْيَا كُلُّهَا قَرِيبٌ. ثم ساق الأحاديث الدالة على ما مر من كلام السلف.

ولمزيد الفائدة انظر الفتوى رقم: 155113.

وبه تعلم أن ما قررته في سؤالك ليس بصواب، وأن من أخذ للمعصية أهبتها أو خطط لها، فإنه قد عمل السوء بجهالة، فإن تاب توبة نصوحا قبل أن يحضره أجله، قبل الله توبته وأقال عثرته، وكان كمن لم يذنب؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني