السؤال
لي ثلاثة إخوة أشقاء وخمس أخوات شقيقات، وأمي لها قطعة أرض تريد توزيعها علينا في حياتها وترغب في إعطاء اثنتين من أخواتي غير المتزوجات ـ عوانس ـ زيادة عن باقي الإخوة كي تتمكنا من شراء شقة سكنية لهما في المستقبل للسكن فيها بعد وفاة أمي ـ أعطاها الله طول العمر وجعلها من أهل الجنة ـ فهل تجوز هذه العطية أم لا؟ وشكراً لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعا من تقسيم الأم لمالها بين أبنائها في حياتها، لكن يجب عليها أن تعدل بينهم في ذلك، جاء في الإقناع وشرحه: ويجب على الأب، وعلى الأم وعلى غيرهما من سائر الأقارب التعديل بين من يرث بقرابة من ولد وغيره كأب وأم وأخ وابنه وعم وابنه في عطيتهم، لحديث جابر قال: قالت امرأة بشير لبشير: أعط ابني غلاما وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي، قال: له إخوة؟ قال: نعم، قال: كلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ قال: لا، قال: فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد إلا على حق ـ رواه أحمد ومسلم وأبو داود، ورواه أحمد من حديث النعمان بن بشير، وقال فيه: لا تشهدني على جور، إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم ـ وفي لفظ لمسلم: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم، فرجع أبي في تلك الصدقة ـ وللبخاري مثله، لكن ذكره بلفظ العطية، فأمر بالعدل بينهم وسمى تخصيص أحدهم دون الباقين جورا، والجور حرام، فدل على أن أمره بالعدل للوجوب، وقيس على الأولاد باقي الأقارب بجامع القرابة، وخرج منه الزوجات والموالي، فلا يجب التعديل بينهم في الهبة، ولا يجب التعديل بينهم في شيء تافه، لأنه يتسامح به فلا يحصل التأثر، والتعديل الواجب أن يعطيهم بقدر إرثهم منه اقتداء بقسمة الله تعالى وقياسا لحالة الحياة على حال الموت، قال عطاء: فما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى. اهـ.
فلا يجوز للأم أن تفضل بعض البنات لمجرد كونهن عوانس، فليس هذا مسوغا للتفضيل، لكن إذا كانت البنات محتاجات للتفضيل فإنه جائز حينئذ، جاء في الإقناع وشرحه: ولا فرق في امتناع التخصيص والتفضيل بين كون البعض ذا حاجة أو زمانة، أو عمى، أو عيال، أو صلاح، أو علم، أو لا، ولا بين كون البعض الآخر فاسقا، أو مبتدعا، أو مبذرا أو لا، وهو ظاهر كلام الأصحاب، ونص عليه في رواية يوسف بن موسى في الرجل له الولد البار الصالح وآخر غير بار، لا ينيل البار دون الآخر، وقيل: إن أعطاه لمعنى فيه من حاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو لاشتغاله بالعلم ونحوه كصلاحه، أو منع بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يعصي الله بما يأخذه ونحوه جاز التخصيص، والتفضيل بالأولى، اختاره الموفق وغيره استدلالا بتخصيص الصديق عائشة ـ رضي الله عنهما ـ وليس إلا لامتيازها بالفضل، ولنا عموم الأمر بالتسوية وفعل الصديق يحتمل أنه نحل معها غيرها، أو أنه نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها فأدركه المرض ونحوه. اهـ.
وإذا رضي الأبناء بتفضيل بعضهم فإنه جائز بكل حال، لأن الحق لهم في منع التفضيل، جاء في الإقناع وشرحه: وله ـ أي: لمن ذكر من الأب والأم وغيرهما ـ التخصيص لبعض أقاربه الذين يرثونه بإذن الباقي منهم، لأن العلة في تحريم التخصيص كونه يورث العداوة وقطيعة الرحم، وهي منتفية مع الإذن. اهـ.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 6242.
والله أعلم.