السؤال
سيدي الكريم سبق وأن طرحت السؤال ولم تجيبوني. أرجو الإجابة وجزاكم الله عنا كل خير.
كانت لي جدة طاعنة في السن، بصيرة. وكانت والدتي- حفظها الله لنا- توفر كل متطلباتها، وتعينها على أيامها الصعبة من مرض ومأكل، ومشرب. كانت أمي دائمة البقاء مع الجدة إلى درجة أننا نشتاق إليها كثيرا، لكن ظروف جدتي تجعل الجميع يصبر.
في الآونة الأخيرة اتصل أبي بأمي لتذهب معه إلى قطعة أرضنا، للتكفل به وبكل لوازمه. ولما أرادت أمي المغادرة، طلبت السماح من الجدة، إلا أن الجدة لم ترد لأمي المغادرة، فأشاحت بوجهها عنها، مع العلم أن جدتي تحب أمي بجنون، ودوما تدعو لها أن يكون مقامها في الجنة من مقام سيد الخلق والبشر محمد صلى الله عليه وسلم، لكن سيدي الكريم في ليلة مغادرة أمي حدث وأن توفيت الجدة، ولليوم أمي تبكي دموعا لا توصف ظانة أن جدتي ماتت غير راضية عليها.
أرجوكم أفيدوني لأطمئن أمي أتوسل إليكم سيدي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحال كما ذكرت، فإن أمك كانت بارة بأمها محسنة إليها. وإذا كانت تركتها في اليوم الذي ماتت فيه، فليس ذلك قادحا في برها إياها، ولا سيما إذا كانت قد تركتها طاعة لزوجها. وعلى فرض أنها قصرت في حقها مرة، فإن ذلك مظنة العفو من الله؛ قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا. الإسراء(25).
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر كالفلتة، والزلة تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما لا يريد بذلك بأسا. قال الله تعالى : ( إن تكونوا صالحين ) أي صادقين في نية البر بالوالدين. فإن الله يغفر البادرة وقوله : ( فإنه كان للأوابين غفورا ) وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة. اهـ
فبشري والدتك ببركة برها بأمها في الدنيا والآخرة، واعلمي أنّ الإنسان يمكنه أن يبرّ والديه بعد موتهما، بالدعاء والاستغفار لهما، والصدقة عنهما، و صلة الرحم من جهتهما، وإكرام أصدقائهما؛ وانظري في ذلك الفتوى رقم: 18806.
والله أعلم.