الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اليأس من رحمة الله من كيد الشيطان ووسوسته

السؤال

نا شاب خريج كلية الشريعة وحافظ للقرآن وملتزم بالصلوات والطاعات والصدقات، وبالأذكار اليومية والمسائية وبالصدق والأمانة، أعيش حياتي تحت ظل الشريعة الإسلامية ـ ولله الحمد ـ ومشكلتي الوحيدة هي الوساوس القهرية في أمر واحد، وهي: هل غفر الله لي ذنوبي الماضية أم لم يغفرها؟ فقد قتلتني الوساوس في هذا الأمر وجعلتني بعيدا عن العلاقات الاجتماعية وعن إكمال علمي وعن العمل وعن كل شيء، وأعترف بأنني ارتكبت ذنباً، لكن سرعان ما عدت إلى ربي عز وجل تائبا باكيا منكسراً وتبت إلى الله مع جميع شروطها وتصدقت وفعلت ما فعلت من الدعاء والصلاة والنوافل..... إلخ، أعلم بأن الله يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم، وأن البشر خطاؤون وليسوا بمعصومين، لكن الوساوس القهرية لا تدعني وتقول لي أنت ارتكبت ذنبا فأنت عاص إلى يوم القيامة، ولا تستحق العلاقات الاجتماعية ولا العمل ولا الحب ولا أي شيء، بل ستبقى في غرفتك إلى الأبد، فأحس بهذا الأمر علي وكأن أحداً وضع حجرا ثقيلا على قلبي، فأستسلم لهذه الوساوس في كثير من المرات، وسؤالي هو: ارتكبت كثيرا من الذنوب في الماضي وقبل عدة أيام ارتكبت ذنباً لكن سرعان ما عدت نادماً منكسراً وحققت جميع شروط التوبة ـ ولله الحمد ـ فهل غفر الله لي أم لا؟ وهل الحسرة والندم الذي يراودني وقد حطمني كلياً وكللت ومللت منه وحطم كل علاقاتي الاجتماعية وحياتي العلمية والعملية، هو وساوس أم عقاب من الله؟ أم ابتلاء أؤجر عليه؟ أغيثوني فليس لي بعد الله إلا أنتم... فقد مللت وتعبت من الوساوس؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأبشر بخير ما دمت ندمت وتبت إلى الله تعالى، وأكثر من الاستغفار وصل صلاة التوبة وثق بوعد الله بقبول توبة التائبين المستغفرين، فهو القائل: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82}. والقائل: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء:110}، وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ { الأنعام:12}.
وفي الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن ـ وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. رواه ابن ماجه وغيره، وحسنه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني.

وأعرض بعد هذا عن الاسترسال مع الشيطان في التفكير في هذا الأمر، لئلا يجرك الشيطان لليأس من رحمة الله تعالى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني