السؤال
إذا عاد شخص لسماع الأغاني بعد أن تاب إلى الله منها بسبب شخص آخر كان يشغلها دائما أمامه، فهل على الذي يشغّلها وزر الذي عاد إليها؟.
إذا عاد شخص لسماع الأغاني بعد أن تاب إلى الله منها بسبب شخص آخر كان يشغلها دائما أمامه، فهل على الذي يشغّلها وزر الذي عاد إليها؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي التنبه في البداية إلى أن الغناء ليس كله محرما، بل المحرم منه ما كان فيه موسيقى، أو ما كان من امرأة أجنبية لرجال، أو ما اشتمل على كلام قبيح، ونحو ذلك. ولك أن تراجعي في أنواع الغناء وحكم كل نوع منها وأدلة ذلك فتوانا رقم: 987.
والسماع للشيء يختلف عن استماعه، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: الاستماع لغة واصطلاحا: قصد السماع بغية فهم المسموع، أو الاستفادة منه، أما السمع: فقد يكون مع ذلك القصد أو بدونه، فهو أعم من الاستماع. اهـ.
وراجعي في لحاق الإثم بالمستمع دون السامع الفتوى رقم: 151823.
وأما عن إثم الشخص الذي يشغل الأغاني ثم يحصل بسبب ذلك عودة الآخرين للسماع المحرم بعد أن تابوا منه: فالظاهر ـ والله أعلم ـ أن المشغل للأغاني يناله من الإثم والوزر مثل ما ينال المستمع الذي انتكس بسببه، لأنه هو الذي أسمعه الغناء المحرم لما فتحه بحضرته وتسبب في توفير السماع المحرم له، وقاعدة الشريعة في مثل هذا أن عليه من الإثم مثل آثام من اتبعوه لا ينقص من آثامهم شيئاً، فمن عمل عملا سيئا وامتد أثره من بعده كان عليه وزره ووزر من ضل بسبب عمله كما قال تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ {النحل:25}.
وقال الإمام البخاري: باب إثم من دعا إلى ضلالة أو سن سنة سيئة، لقول الله تعالى: وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم ـ وذكر فيه الحديث: ليس من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها، لأنه أول من سن القتل.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
وقال ـ أيضاً ـ صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً. رواهما مسلم.
قال ابن القيم: قد استقرت حكمة الله وعدله أن يجعل على الداعي إلى الضلال مثل آثام من اتبعه واستجاب له، ولا ريب أن عذاب هذا يتضاعف ويتزايد بحسب من اتبعه وضل به، وهذا النوع في الأشقياء مقابل دعاة الهدى في السعداء، فأولئك يتضاعف ثوابهم وتعلو درجاتهم بحسب من اتبعهم واهتدى بهم، وهؤلاء عكسهم، وقال شيخ الإسلام: والداعي إلى الكفر هو كافر كفراً مغلظاً. اهـ.
وهذه الدعوة تحصل بالقول وبالفعل، كما قال المباركفوري في شرح المشكاة: من دل ـ أي بالقول، أو الفعل، أو الإشارة أو الكتابة ـ على خير، أي علم أو عمل مما فيه أجر وثواب، فله أي فللدال مثل أجر فاعله، أي من غير أن ينقص من أجره شيء، قاله القاري: وقال المناوي: فله مثل أجر فاعله، أي لإعانته عليه، وهذا إذا حصل ذلك الخير، وإلا فله ثواب دلالته قال النووي: المراد أن له ثواباً بذلك، كما أن لفاعله ثواباً، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث: وفي هذا دليلٌ على أن المتسبب كالمباشر، فهذا الذي دعا إلى الهدى تسبب فكان له مثل أجر من فعله، والذي دعا إلى السوء أو إلى الوزر تسبب فكان عليه مثل وزر من اتبعه. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني