السؤال
يا شيخ: أنا في بلاء ولعلي ممن أراد الله بهم خيراً وعجل لهم العقوبة في الدنيا، وبين الحين والآخر أبكي وأفكر كثيراً في مصابي بيني وبين نفسي، ثم أردد قوله تعالى: فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ـ وأقول هذا كله من ذنوبي ـ اللهم اغفر لي ـ فهل كثرة التفكير في المصاب الذي يُلم بالإنسان وبكاؤه من الجزع والتسخط؟ أم هذا حال بني آدم؟ وجزاكم الله خيراً ونفع بكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسال الله تعالى أن يرفع عنك البلاء، وأن يكتب لك أجر الصابرين، ونرجو أن تكوني ممن أراد الله بهم الخير، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده الخير، عجل له العقوبة في الدنيا.. الحديث رواه أحمد والترمذي.
ولتعلمي أن صبر العبد بحبس نفسه عن الجزع والتسخط على الأقدار المؤلمة التي يلاقيها في حياته واجب، وأن الرضا بذلك مستحب، كما قال ابن عثيمين في مجموع الفتاوى والرسائل: فما يقع من المصائب يستحب الرضا به عند أكثر أهل العلم ولا يجب، لكن يجب الصبر عليه، والفرق بين الصبر والرضا: أن الصبر يكون الإنسان فيه كارها للواقع، لكنه لا يأتي بما يخالف الشرع وينافي الصبر، والرضا: لا يكون كارها للواقع فيكون ما وقع وما لم يقع عنده سواء، فهذا هو الفرق بين الرضا والصبر، ولهذا قال الجمهور: إن الصبر واجب، والرضا مستحب، ثم إن هذه الحياة دار ابتلاء، وهذا الابتلاء قد يكون للصالحين رفعة لدرجاتهم، وقد يكون على الطالحين عقوبة لهم على ذنوبهم، كما جاء في الحديث المرفوع: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ـ رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه.
وأما كثرة التفكير في المصيبة واستدعاء ذلك: فلا ينبغي، لما فيه من تعظيمها.. وأما تذكرها من غير استدعاء ولا تسخط.. فلا حرج فيه، وإن استرجع العبد وأحدث صبرا كتب الله له بذلك أجرا، كما روى ابن ماجه وغيره أن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ، فَذَكَرَ مُصِيبَتَهُ، فَأَحْدَثَ اسْتِرْجَاعًا، وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَهُ يَوْمَ أُصِيبَ. والحديث تكلم أهل العلم في سنده.
والله أعلم.