الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكننا الحكم على شخص لم نطلع على حقيقة حاله, ولا على حقيقة ما يداوي به.
وقد ذكر أهل العلم مشروعية الرقية بالقرآن والأدعية التي ليس فيها محظور, ومنعوا ما كان باللغة التي لا يفهم معناها، ففي صحيح مسلم من حديث عوف بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا نرقي فِي الْجَاهِلِيَّةِ, فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ, كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ.
قال النووي - رحمه الله -: وَقَدْ نَقَلُوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ الرُّقَى بِالْآيَاتِ وَأَذْكَارِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ الْمَازِرِيُّ: جَمِيعُ الرُّقَى جَائِزَةٌ إِذَا كَانَتْ بِكِتَابِ اللَّهِ، أَوْ بِذِكْرِهِ, وَمَنْهِيٌّ عَنْهَا إِذَا كَانَتْ بِاللُّغَةِ الْعَجَمِيَّةِ، أَوْ بما لا يدرى مَعْنَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كُفْرٌ. انتهى.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: فيه دليل على جواز الرقى والتطبيب بما لا ضرر فيه ولا منع من جهة الشرع، لكن إذا كان مفهومًا لأن ما لا يفهم لا يؤمن أن يكون فيه شيء من الشرك. اهـ .
وأما النفخ في الماء أو التفل فيه, فقد اختلف في كيفيته, كما جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح: قال صالح - يعني ابن الإمام أحمد - رحمهما الله تعالى - ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحًا فيه ماء فيقرأ عليه. ويقول: لي اشرب منه, واغسل وجهك ويديك ....
وقال يوسف بن موسى: إن أبا عبد الله كان يؤتى بالكوز ونحن بالمسجد فيقرأ عليه ويعوذ ...
ويكره التفل بالريق, والنفخ بلا ريق, وقيل في كراهة النفث في الرقية وإباحته مع الريق وعدمه روايتان.
وذكر السامري أن أحمد - رحمه الله - كره التفل في الرقى, وأنه لا بأس بالنفخ.
قال ابن منصور لأبي عبد الله يكره التفل في الرقية, قال: أليس يقال إذا رقى نفخ ولم يتفل؟ قال إسحاق بن راهويه كما قال.
وجزم بعض متأخري الأصحاب باستحباب النفخ والتفل؛ لأنه إذا قويت كيفية نفس الراقي كانت الرقية أتم تأثيرًا وأقوى فعلًا, ولهذا تستعين به الروح الطيبة والخبيثة فيفعله المؤمن والساحر، وفي شرح مسلم أن الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم استحبوا النفث, قال القاضي عياض: وكان مالك ينفث إذا رقى نفسه. اهـ.
والله أعلم.