السؤال
هل يشرع صلاة ركعتي التوبة والاستغفار بعد التكاسل في فعل سنة, أو تركها, أو عدم الخشوع في الصلاة, وقول: بعد كل معصية صلِّ ركعتين حتى يساعدك الشيطان في تركها؛ لأن الشيطان لا يتحمل أن يصلي العبد ركعتين تطوعًا لله - جزاكم الله خيرًا -.
هل يشرع صلاة ركعتي التوبة والاستغفار بعد التكاسل في فعل سنة, أو تركها, أو عدم الخشوع في الصلاة, وقول: بعد كل معصية صلِّ ركعتين حتى يساعدك الشيطان في تركها؛ لأن الشيطان لا يتحمل أن يصلي العبد ركعتين تطوعًا لله - جزاكم الله خيرًا -.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من رجل يذنب ذنبًا, ثم يقوم فيتطهر, ثم يصلي, ثم يستغفر الله, إلا غفر الله له, ثم قرأ هذه الآية: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم. آل عمران. وهذا الحديث الصحيح دال على مشروعية صلاة ركعتي التوبة، وعليه الأئمة الأربعة, راجع الفتوى: 7471، ومن جملة التوبة: التوبة من المكروه، والتقصير الذي لا يبلغ درجة التحريم؛ قال أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة. متفق عليه.
قال ابن القيم في المدارج في - توبة الخواص -: فَتَوْبَةُ هَؤُلَاءِ مِنْ إِضَاعَةِ هَذَا الْوَقْتِ الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ وَقْتُ وَجْدٍ صَادِقٍ، وَحَالٍ صَحِيحَةٍ مَعَ اللَّهِ لَا يُكَدِّرُهَا الْأَغْيَارُ ... فَإِذَنْ تَوْبَةُ الْخَوَاصِّ تَكُونُ مِنْ تَضْيِيعِ أَوْقَاتِهِمْ مَعَ اللَّهِ. اهـ
وعليه, فلا حرج في صلاة ركعتين بهذا الغرض المذكور، من باب مراغمة الشيطان بالطاعات، وإتباع السيئة الحسنةَ؛ ففي الحديث عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ. رواه أحمد, وقال محققوه - الرسالة -: حسن لغيره, ورواه الترمذي, وحسنه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: إذا أسأت فأحسن. رواه ابن حبان، والحاكم، والطبراني في الأوسط, وحسنه الألباني.
ويدل على هذا المعنى عمل السلف، فقد جاءت آثار كثيرة عن السلف في ذلك منها: عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ إِذَا شَهِدَ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ مَعَ النَّاسِ صَلَّى رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، وَإِذَا لَمْ يَشْهَدْهَا فِي جَمَاعَةٍ، أَحْيَا لَيْلَةً، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ مَعْمَرٍ، أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ، فَحَدَّثْتُ بِهِ مَعْمَرًا، قَالَ: كَانَ أَيُّوبُ يَفْعَلُهُ. رواه عبد الرزاق 1949، وأبو يعلى الموصلي 18، وسنده صحيح.
وهذا الأثر يدل على أنهم - ابن عمر، معمر، أيوب - أي السختياني - كانوا يفعلونه ويداومون عليه؛ لقوله "كان".
عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللهُ أَشْهَدَنِي قِتَالًا لِلْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللهُ مَا أَصْنَعُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ - يَعْنِي أَصْحَابَهُ - وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ - يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ فَلَقِيَهُ سَعْدٌ لِأُخْرَاهَا دُونَ أُحُدٍ، - وَقَالَ يَزِيدُ بِبَغْدَادَ: بِأُخْرَاهَا دُونَ أُحُدٍ - فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا مَعَكَ، قَالَ سَعْدٌ: فَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَصْنَعَ مَا صَنَعَ، فَوُجِدَ فِيهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، وَطَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، قَالَ: فَكُنَّا نَقُولُ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ نَزَلَتْ: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} [الأحزاب: 23] رواه أحمد، قال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
والشاهد قوله- رضي الله عنه -: "ليرين الله ما أصنع - فهي عِدة لله، فعاقب نفسه على عدم شهود بدر بذلك، مع أنها لم تكن واجبة عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزمهم إياها.
قال ابْن أَبِي حاتم: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حرملة: سمعت ابْن وهب، يقول: نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يومًا، فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانًا أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة. قلت - الذهبي -: هكذا والله كَانَ العلماء وهذا هُوَ ثمرة العلم النافع.
وهذا الاستحسان من الذهبي له قيمته؛ إذ هو إمام فقيه شافعي سني - رحمه الله -.
وابن وهب من أئمة السنة، وله تصانيف فيها، ككتاب القدر، وكم روى له أئمة السنة كالآجري وغيره.
قَالَ السُّلَميّ: سمعت محمد بْن عَبْد الله بْن شاذان: سمعت محمد بْن عليّ الكِنانيّ، سمعت عَمْرو بْن عُثْمَان المكّيّ، يقول: ما رأيت أحدًا من المتعبّدين فِي كثرة من لقيت منهم أشدّ اجتهادًا من المُزَنيّ, ولا أدْوَم على العِبادة منه، وما رَأَيْت أحدًا أشدّ تعظيمًا للعِلْمِ منه، وكان من أشدّ النّاس تضييقًا على نفسه فِي الورع، وأوسعه فِي ذلك على النّاس، وكان يقول: أَنَا خُلُق من أخلاق الشافعيّ, وبَلَغَنا أنّ المُزَنيّ كان مُجاب الدّعوة، ذا زُهدٍ وتقشُّف، أَخَذَ عَنْهُ خَلْق من علماء خُراسان، والشام، والعجم، وقِيلَ: كان إذا فاتته صلاة الجماعة صلّى الصّلاة خمسًا وعشرين مَرَّةً, وهو الَّذِي غسّل الشافعيّ - رحمه الله -. مع أن صلاة الجماعة ليست واجبة عند الشافعية.
وقوة دلالة الأثر من جهة كون المزني من كبار الفقهاء في الإسلام، من أصحاب الشافعي.
قال أبو القَاسِم البَغَوِيَّ، سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ القَوَارِيْرِيَّ يَقُوْلُ: لَمْ تَكُنْ تَكَادُ تَفُوتُنِي صَلاَةُ العَتَمَةِ فِي جَمَاعَةٍ، فَنَزَلَ بِي ضَيْفٌ، فَشُغِلْتُ بِهِ، فَخَرَجتُ أَطْلُبُ الصَّلاَةَ فِي قَبَائِلِ البَصْرَةِ، فَإِذَا النَّاسُ قَدْ صَلَّوْا، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: صَلاَةُ الجَمِيْعِ تَفْضُلُ عَلَى صَلاَةِ الفَذِّ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ دَرَجَة, وَرُوِيَ: خَمْسًا وَعِشْرِيْنَ دَرَجَةً, وَرُوِيَ: سَبْعًا وَعِشْرِيْنَ, فَانْقَلَبْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَصَلَّيْتُ العَتَمَةَ سَبْعًا وَعِشْرِيْنَ مَرَّةً، ثُمَّ رَقَدتُ، فَرَأَيْتُنِي مَعَ قَوْمٍ رَاكِبِي أَفْرَاسٍ، وَأَنَا رَاكِبٌ، وَنَحْنُ نَتَجَارَى وَأَفرَاسُهُم تَسبِقُ فَرَسِي، فَجَعَلتُ أَضرِبُه لأَلحَقَهُم، فَالتَفَتَ إِلَيَّ آخِرُهُم، فَقَالَ: لاَ تُجْهِدْ فَرَسَكَ، فَلَسْتَ بِلاَحِقِنَا, قَالَ: فَقُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأَنَّا صَلَّيْنَا العَتَمَةَ فِي جَمَاعَةٍ.
وعبيد الله القواريري هو شيخ للبخاري ومسلم، وقد انشغل عن الجماعة، ولم يتعمد تركها, وغيرها كثير، وللاستزادة يُراجع كتاب محاسبة النفس لابن أبي الدنيا مع التحري فيما يُورده.
وعليه, فلا حرج في ذلك .
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني