السؤال
1-كنت دائما عندما أتضايق وأحس أن الدنيا مظلمة، وأحس بوحدة شديدة، ألجأ إلى القرآن كلام ربي وأفتحه، وأقرأ الآيات التي تقع عيني عليها فأحس براحة، وكأن ربي يكلمني أو يوجهني، وأحس بقربه مني. وذات يوم كنت أقرأ في أحد الكتب، وقرأت أن هنالك ما يدعى بالاستفتاح وهو فتح القرآن، فخفت أن يكون ما أقوم به هو الاستفتاح المحرم، وهو جزء من النصب والأزلام، فعزمت على ترك ذلك وواجهت صعوبة شديدة، لكن خشيت من أن أغضب ربي، فأجبرت نفسي على ترك الأمر ولي أشهر على ذلك، وأنا أحس بحزن؛ لأن ذلك الأمر يمكن أن يكون خاطئا لكنه كان يشعرني براحة نفسية شديدة خصوصا في مواجهة صعوبة الحياة.
2- هل يجوز أن أعود لفتح القرآن من جديد؟
قرأت منشورا في الفيس بوك: إذا كنت متضايقا توضأ وافتح القرآن، واقرأ الآيات التي تقع عينك عليها ستحس أنها من الله لك.
هل يعني هذا أن ما كنت أقوم به ليس حراما؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في مشروعية قراءة القرآن عند ضيق الصدر، واكتئاب النفس، ولم يزل أهل الإيمان على ذلك؛ إذ القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) سورة يونس.
وقال تعالى في مطلع سورة طه: طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) .
ثم بين في آخرها طريق السعادة والشقاء فقال: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) سورة طه.
قال ابن كثير: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَضِلُّ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ. {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} أَيْ: خَالَفَ أَمْرِي، وَمَا أَنْزَلْتُهُ عَلَى رَسُولِي، أَعْرَضَ عَنْهُ وَتَنَاسَاهُ وَأَخَذَ مِنْ غَيْرِهِ هُدَاهُ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} أَيْ: فِي الدُّنْيَا، فَلَا طُمَأْنِينَةَ لَهُ، وَلَا انْشِرَاحَ لِصَدْرِهِ، بَلْ صَدْرُهُ ضَيِّقٌ حَرج لِضَلَالِهِ، وَإِنْ تَنَعَّم ظَاهِرُهُ، وَلَبِسَ مَا شَاءَ، وَأَكَلَ مَا شَاءَ، وَسَكَنَ حَيْثُ شَاءَ، فَإِنَّ قلبه مَا لَمْ يَخْلُصْ إِلَى الْيَقِينِ وَالْهُدَى، فَهُوَ فِي قَلَقٍ وَحَيْرَةٍ وَشَكٍّ، فَلَا يَزَالُ فِي رِيبَةٍ يَتَرَدَّدُ. فَهَذَا مِنْ ضَنْكِ الْمَعِيشَةِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: الشَّقَاءُ. انتهى.
وقال تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99). سورة الحجر.
فإذا شرع التسبيح لدفع الضيق لكونه ذكرا، فالقرآن أشرف الذكر، وهو من أجل العبادات، التي تدخل في قوله: "واعبد ربك ".
وأما الاستفتاح الذي ذكرتِه، فشيء آخر وهو فتح القرآن لأخذ الفأل منه بأول كلمات تقع عليها العين، وليس هو القراءة والتلاوة. ويمكنك مراجعة أقوال أهل العلم في فتح المصحف للفأل في الفتوى رقم: 170677، وخلاصتها تحريم ذلك.
وعليه؛ فقراءتك القرءان عند الضيق مشروعة، ونوصيك بالمداومة على تلاوة القرآن في السراء، والضراء.
والله أعلم.