الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ينال ثواب الحب في الله من أحب من لم يجتمع به

السؤال

في الحديث النبوي ما معناه أن العبد يحشر مع من أحب يوم القيامة، وفيه أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله منهم المتحابان في الله، وسؤالي هو: هل إذا كانت المحبة من طرف واحد، أو أن المحبوب لم يدرك لوفاته مثل النبي عليه الصلاة والسلام وباقي الأنبياء والصحابة ومن نحسبهم والله حسيبهم من الصالحين تدخل في معنى الحديث؟ وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأحاديث المشار إليها أحاديث صحيحة رواها البخاري ومسلم وغيرهما، فقد قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ. وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ.. وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ.. الحديث.

وفي الموطأ مرفوعا: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي.

قال ابن عبد البر في الاستذكار: قَوْلُهُ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي أَيِ الْمُتَحَابُّونَ فِيَّ وَمِنْ أَجْلِي إِجْلَالًا وَمَحَبَّةً وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَالِصًا لَا يَكُونُ لِشَيْءٍ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا إِنَّهُ يُحِبُّهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُؤْمِنٌ بِهِ مُخْلِصٌ لَهُ وَيُحِبُّهُ لِدُعَائِهِ إِلَى الْخَيْرِ وَلِفِعْلِهِ الْخَيْرَ وَتَعْلِيمِهِ الدِّينَ، وَالدِّينُ جِمَاعُ الْخَيْرِ كُلِّهِ فَإِذَا أَحَبَّهُ لِذَلِكَ فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ.

وقال الحافظ في الفتح: ولن يتحابا فِي الله حَتَّى يجتمعا فِي الدنيا فِي ظل الله المعنوي، وَهُوَ تأليف قلوبهما عَلَى طاعة الله، وإيثار مرضاته وطلب مَا عنده، فلهذا اجتمعا يوم القيامة فِي ظل الله الحسّي. اهـ

ولذلك، فالمتحابون في الله الذين يحشرون مع بعضهم في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله: هم مَن جمعتهم طاعة الله تعالى ومحبته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه في هذه الحياة ولو لم يكونوا في زمان واحد، أو مكان واحد، فمن أحب قوما حشر معهم، وعلى كل حال فمجرد محبة الحق وأهله فيه خير كثير وفضل عظيم ولو كانت من طرف واحد، قال النووي في شرح مسلم: رِوَايَات: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ـ فِيهِ فَضْلُ حُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ.. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِانْتِفَاعِ بِمَحَبَّةِ الصَّالِحِينَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَهُمْ إِذْ لَوْ عَمِلَهُ لَكَانَ مِنْهُمْ وَمِثْلَهُمْ وَقَدْ صُرِّحَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا بِذَلِكَ فَقَالَ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ... ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَعَهُمْ أَنْ تَكُونَ مَنْزِلَتُهُ وَجَزَاؤُهُ مِثْلَهُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني