الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين رحمة الله وعقوبة العاصين

السؤال

أنا مسلم ولله الحمد، على عقيدة أهل السنة والجماعة، عمري 17 سنة.
سؤالي يمكن أن يكون غريبا قليلاً لكن يعلم الله أني أريد جوابا حتى يطمئن قلبي.
قرأت كثيراً عن رحمة الله عز وجل وهي رحمة لا أشك فيها. ومما زاد إيماني هو أن الله عز وجل قال: اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى. رغم أنه ادعى الربوبية إلا أن رد الرحمن جاء بصيغة المشفق. هنا زاد إيماني برحمة الله تعالى.
ولكن عندي تساؤل بسيط جداً: كيف تكون رحمته جل في علاه واسعة إلى هذا الحد، والله عز وجل يؤاخذنا بأمور بسيطة مثل تأخير الصلاة -عقوبة تأخيرها قاسية جداً-. الإزار وهو إطالة الثوب حتى لو كان غير مقصود عقوبته قاسية أيضاً.
فكيف نوفق بين رحمة الله تعالى الكبيرة والتي كما يقال 99 رحمة وواحدة في الأرض وهذه الأمور البسيطة التي يؤاخذنا الله تعالى فيها والتي يكون عقابها عظيما أجارنا الله تعالى وإياكم منه ؟
وجزاكم الله خير وبارك الله في علمكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأولا : اعلم أن المرجع في معرفة كون الذنب كبيرا أو صغيرا إنما هو الشرع المطهر، وليس عقل الإنسان المجرد، فما اعتبره الشارع معصية كبيرة فهي كبيرة، وما اعتبره الشارع معصية صغيرة فهي صغيرة.
ثانيا: أنه كما نحن مأمورون بالإيمان برحمة الله وسعتها، فنحن مأمورون أيضا بالإيمان بأنه شديد العقاب. قال تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:98}. والله تعالى أعلم من يدخل في رحمته، ومن يعد له العذاب الأليم.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 121592 ، والفتوى رقم: 164935
ثالثا: من رحمة الله بعباده أن حذرهم وأنذرهم نقمته وعقابه، ليجتنبوا ما يسخطه عليهم، ويسلكوا سبيل مرضاته. أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ {آل عمران:30}. قال: من رأفته بهم حذرهم نفسه. الدر المنثور.
رابعا: من مظاهر رحمة الله أيضا أن أمهل العصاة ليتوبوا ولم يؤاخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم. قال تعالى: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا {الكهف:58}.

خامسا: إن رحمة الله سبحانه تغلب غضبه، كما في الصحيحين عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي. وقد يتخلف الوعيد عن العصاة لأسباب عديدة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: فالذنوب لا توجب دخول النار مطلقاً إلا إذا انتفت الأسباب المانعة من ذلك، وهي عشرة، منها: التوبة، ومنها: الاستغفار، ومنها: الحسنات الماحية، ومنها: المصائب المكفرة، ومنها: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها: شفاعة غيره، ومنها: دعاء المؤمنين، ومنها: ما يهدى للميت من الثواب والصدقة، والعتق، ومنها: فتنة القبر، ومنها: أهوال يوم القيامة، ثم قال: فمن جزم في واحد من هؤلاء بأن له ذنباً يدخل به النار قطعاً فهو كاذب مفتر. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 137828 ، 40374

سادسا: أما بخصوص تأخير الصلاة فإنما يعاقب عليه الإنسان إذا أخر الصلاة بدون عذر عن جميع وقتها حتى تكون قضاء. وانظر الفتوى رقم: 201493، والفتوى رقم: 6846

وأما قولك إن الله يؤاخذنا بإطالة الثوب حتى لو كان غير مقصود، فإن كنت تعني مؤاخذة من لم يقصد الإطالة أصلا، فهذا خطأ ولا نعلم قائلا بذلك، بل ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة. فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك لست تصنع ذلك خيلاء.

قال القاري: المعنى أن استرخاءه من غير قصد لا يضر... إلخ"
أما إن كنت تعني المؤاخذة بدون قصد المخيلة، فهذه مسألة اختلف فيها العلماء وإن كان الراجح عندنا هو المنع من الإسبال وإن لم يكن بقصد المخيلة. وانظر الفتوى رقم: 197679

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني