السؤال
أُهْدي إلى زوجتي خاتم من الذهب من أحد معارف والدها، فهممت بإرجاع الهدية إلى مهديها بحُجة أنني لا أعرفه ولا آمن جانبه ولا نواياه، كما أمرتها أن لا تقبل هدية من الرجال الأجانب على الإطلاق, فهل يجوز للأجنبي أن يهدي هدايا – كالذهب, والألماس - للنساء المتزوجات، أو غيرهن بحُجة كونهن زميلات في الدراسة، أو في العمل، أو بسبب معرفة سابقة؟ وما حكم قبول، أو رفض مثل هذه الهدايا سواءً كان القبول، أو الرفض منهن، أو من قِبَل من يقوم على أمرهن - كأزواجهن أو آبائهن... إلخ - خوف الوقوع في الفتنة أيًّا كانت؟ وهل يجوز للزوج أن يأمر زوجته بعدم قبول الهدايا من الأجانب؟ وما هو حكم الزوجة إن قبلت هدية أجنبي بعد أن أمرها زوجها بعدم قبول الهدايا من الرجال الأجانب؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا خلت الهدية من الأغراض الفاسدة والمقاصد الخبيثة، فلا مانع من إهداء الرجل للمرأة الأجنبية والعكس، فالهدية جائزة بين الناس إلا الهدية في معصية الله تعالى، كمن يهدي لامرأة ليستميل قلبها إليه، أو يجرها إلى الوقوع فيما حرم الله.
وأما عن قبول الزوجة للهدايا: فإذا كانت الهدايا مقابل عوض محرم - كالخلوة، أو التلذذ بها - فهذه الهدايا محرمة خبيثة داخلة في عموم النهي الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث المتفق عليه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن.
وأما إن سلمت من ذلك: فلا حرج في قبولها، بدليل ما ثبت في صحيح البخاري وغيره عن عائشة ـ رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها.
وروى مسلم عن أنس بن مالك، قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله، قال: فصنعت أمي ـ أم سليم ـ حيسًا فجعلته في تور، فقالت: يا أنس, اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل: بعثت بهذا إليك أمي, وهي تقرئك السلام وتقول: إن هذا لك منا.
قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في نيل الأوطار عند شرح هذا الحديث: والحديث فيه جواز إرسال الصغير إلى من يريد المرسل دعوته إلى طعامه، وقبول الهدية من المرأة الأجنبية، ومشروعية هدية الطعام. انتهى.
وقال ابن العربي ـ رحمه الله ـ في أحكام القرآن: وأما الهدية المطلقة للتحبب والتواصل: فإنها جائزة من كل واحد، وعلى كل حال. انتهى.
فالشارع الحكيم قد جعل للوسائل حكم المقاصد، وجعل من مقاصد الشريعة سد الذرائع التي توصل إلى الحرام، وإذا نهى الزوج زوجته عن التعامل مع الأجانب لما يخشاه من الريبة، فالواجب عليها طاعته في ذلك, فإن الزوج قوام على زوجته يكفها عن المفاسد, ويسد عليها أبوب الفتن، وأما إن لم تكن هناك ريبة، فلا تلزمها طاعته في رفض الهدية, لا سيما إن كانت محتاجة لها، فقد قال ابن نجيم: المرأة لا يجب عليها طاعة الزوج في كل ما يأمر به، إنما ذلك فيما يرجع إلى النكاح وتوابعه خصوصًا إذا كان في أمره إضرار بها. اهـ.
وجاء في قرار المجمع الفقهي التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي: للزوجة الأهلية الكاملة, والذمة المالية المستقلة التامة ولها الحق المطلق في إطار أحكام الشرع بما تكسبه من عملها، ولها ثرواتها الخاصة، ولها حق التملك وحق التصرف بما تملك، ولا سلطان للزوج على مالها، ولا تحتاج لإذن الزوج في التملك والتصرف بمالها. اهـ.
وقيل: إنه تلزم طاعة الزوج في كل ما يأمر به زوجته مما لا معصية لله, ولا ضرر عليها فيه، ولو لم يكن له تعلق بأمر النكاح, وكنا قد فصلنا هذه المسألة مع أدلة كل فريق، وراجع في ذلك فتوانا رقم: 130355.
والله أعلم.